سأتكلم عن نظامين مختلفين من الناحية السياسية والاجتماعية ،مع العلم ان تراثهما واحد وحضارتهما تنتمي الى الجذور نفسها وهي البوذية وعرقهم متفق عليه على انه العرق الاصفر كما يصنفه علماء الانثروبولوجيا ،هما النظامان الياباني والصيني، فعلى الرغم من ان الاول يتبنى المنهج الديمقراطي والعقيدة الاجتماعية السياسية الحرة، ويؤمن بمنطلقاتها التي منها الحرية الفردية ولاسيما حرية اختيار السكن وحرية التنقل والسفر ،الا انه توقف عند نقطة مهمة حينما نظر الى مجتمع القرية والريف قبل ان يعمل على تحضره وتمدنه، فقد قررت معظم حكومات اليابان ان تقود الريف نحو التقدم والتطور وتضخ له التكنلوجيا التي ادرك ماهيتها وعمل بها على شكل دفعات لتنتشله من تخلف مجتمعي وتُطور تقنياته الزراعية فضلاً عن تحويل بعض البيئات الزراعية الى صناعية واخرى الى مختلطة زراعية صناعية لترتفع انتاجية الفرد ويتحسن وضعه الاقتصادي ويسهم الريف بالدخل القومي الياباني وهم في ذلك قد راعوا ما للريف من قيم وتقاليد التي منها البوذية وتراث عبادة الاباء والاجداد في توافق مميز بين قيم القرية والتقدم وتمكنوا من تحويل الريف الى مجتمع متمدن فيه رقي واضح في التعامل ومهذب مثقف التحق بركب الحضارة مع ما له من قيم واخلاق الحضارة البوذية التي اكدت على قيم التسامح والتحمل والصبر والتأمل ،طبعا هذا من زاوية معتقداتهم ،وهنا لابد من الاشارة انه وعلى الرغم ممّا يضمنه النظام الحر من حرية تنقل واختيار المسكن الا ان الحكومات اجبرتهم على الثبات في الريف لتُغيرهم هناك في واقعهم حتى لا ينسحب تأثيرهم على مراكز التحضر والمدنية وتتأثر المدينة بعادات قد تُخلفها وتعيق تقدمها ، اما الصين الاشتراكية بنظامها الشيوعي الذي يلغي الطبقية ويعمل على المساواة بين الافراد وان يخضعوا الى قوانين الدولة الشيوعية المركزية وقرارات حزبها الواحد، وان لا يكون هناك فوارق بين القوميات والكل سواسية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ، فقد توقفت حكوماتهم طويلاً امام نقل القرويين الى المدينة او السماح بهجرتهم العشوائية الى المراكز المتحضرة التي تصنع قرار القرى والارياف وتنقل التحضر وتطور التمدن ؛ذلك بالانتماء الى الحضارة وهذا الشكل الذي تقدمه معظم البلدان كواجهات حضارية تنتمي به الى العالم؛ لذلك كانت معظم قرارات الحكومة الاشتراكية هي تنمية الارياف والقرى وتطويرها وتوعيتها ودعمها علمياً وتكنلوجياً لتلتحق بركب المدن وحضارتها وبالفعل نجحوا في ذلك لتظهر الصين المتطورة التي هذبت الريف وطورته كاليابان مع اختلاف انها حاربت ما اسمته بالقيم البالية المتخلفة والدين ،وهذا بحسب رأيهم ،هو من اسباب التخلف وتمزيق النسيج الاجتماعي وشيوع الخرافة التي تحول من دون التطور والتقدم ،وكان برأيهم الحد من هجرة سكان الريف الى المدينة وبالتأكيد فان سياسة النظامين الياباني والصيني هي الحفاظ على حضارة المدن وتطوير الريف ليلتحق بهما وقد نجحا ، اما نحن فالعكس تماماً اذ نجد بعضاً من قيم الريف البالية وتيارات الجهل تغزوا الحواضر وتصبغها بصبغتها وتحاول تطبيعها بطابعها حيث العشائرية الغائرة بالجهل، ليست تلك التي تدعم القيم العربية الاصيلة ،انما نجد عادات متطرفة تُديرها الاعراف القبلية التي كانت ولازالت تُمارس بالأرياف التي لا تؤمن بالمدنية والحضارة انما تريد تطويع كل انجازات التقدم والتحضر لصالحها وتغير وجه المدنية وطبيعة تراثها من وعي وثقافة وادب وتحضر وصروح علمية واكاديميات ولهجات معتدلة بعيدة عن (الجلفية) وخشونة التعامل ؛كونها تروج وتعمل على بث روح الجهل بعادات غريبة عن الحواضر مثل (الگوامات والعطاوي والدگات العشائرية) فضلا عن رفضها لهيمنة الدولة وسطوة قوانينها وسعيها لتحكيم اعرافها وعدم ايمانها بروح العصر وان ينتمي المجتمع الى التقدم والتطور ،وتريد ان تفرض نظامها الذي اعتادته من تجمعات قبلية وحلول لمشكلاتها اساسها القوة والقتل ،كل ذلك نحمل مسؤوليته الى الحكومات التي لم تحاول الحد من الهجرة الى المدن ولم تحسن تطوير الارياف وتحسين واقعها الاقتصادي والاجتماعي.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *