لا أظن هناك حاجة لوصف نخبتنا السياسية ، وهي أشهر النخب في بلادنا ، وأكثرها ترددا على الألسن التي قالت فيها ما قالت ، ومن القول ليس بمقدورك سماعه دون أن تغطي وجهك ، ولم يعد في اللغة مرادف للوصف الا واستعملته ، ومع كل ما قيل على مدى عقدين الذي بدأ بالكلام اللطيف ، وانتهى بالشتم الصريح بعد أن فشل التلميح في تحقيق المراد ، لكن ذلك لم يغير شيئا من المسار ، ولم يوقف سيلان اللعاب على حلاوة السلطة ، ولم يخفف من غلواء الطمع الفاحش ، او يحرك ضميرا استلطف النوم في مستنقع الفساد . والسؤال هل يحق ان نطلق على هذه الطبقة بالنخبة ؟ والجواب بالسلب دون شك ، فالنخب تلك التي تعد طليعة المجتمع ، وصاحبة الفكر المستنير والارادة الصلبة ، ولها من الاستعداد ما يكفي للتضحية في سبيل الوطن . أما من يرى احتراق وطنه وشعبه قبالة عينيه ولم يحرك ساكنا فهو طاريء على النخبة الحقيقية وعضو غريب في جسدها .

وعندما تفسد ما تسمى بالنخبة السياسية ، فان فسادها يلقي بظلاله على نخب أخرى ، بدءا من الاعلام الذي نُكب في دوره الرسالي ، فغدا تلفزيونه معرضا (لفلر) الشفاه ، الى الثقافة التي علا هابطها على رزينها ، وصولا الى التعليم الذي صار فيه طالب الصيدلة يسأل امه عن اسم الدواء الخافض للحرارة .

قال صاحبي : قررت أن أعتزل زملائي بالرغم من وصفنا بالنخبة ، اكتفي بأداء واجباتي وأفر بجلدي من بيئة لم تعد صالحة للإبداع ، ان تميزت حاربوك ، وان أنجزت سخفوا منجزك ، وان أبديت رأيا اتهموك ، وان تطلعت لمنصب كتبوا عنك ما يكسر ظهرك ويلغي وجودك ، كل شيء مسموح لك عمله الا في منافستهم على الوجاهة والمال والكرسي الهزاز ، وتحسبا من المنافسة لابد من تهميشك كليا في زاوية منسية ، قلت له : هذا ليس جديدا في سلوك نخبنا ، ألا تذكر ما قلته قبل عقدين : بأن النجاح قتل منا أكثر مما قتل الرصاص .

انظر الى نخب الشعوب الأخرى ، كيف تحتفي بمبدعيها ، وتضعهم في أعلى المنازل ، وتشيد لهم النصب أثناء حياتهم وليس بعد مماتهم ، وان ذكرت اسما لأحدهم وصفه الآخرون بالعظمة التي لن تتكرر ، وانهم جميعا تعلموا منه ، وفضله عليهم كبير ، بينما فيهم من هو أكثر ابداعا منه ، واعمق انجازا ، لكنهم لا ينالون من صاحبهم على الاطلاق ، حتى تبهرك كلمات التبجيل واعلاء الشأن . بينما يُحارب مبدعنا من زملائه ، وينال من اهمال الحكومات ما ينال ، ويتآمر عليه الفارغون الملتصقون بالكراسي ، فينزوي محبطا ، وقد تنهشه مخالب العوز وأنياب المرض ، فينكفىء يائسا بأن جهد ما مضى ذهب سدى ، وان العمر الذي نذره للوطن والناس لم يجن منه سوى الحسرة ، وتندر الأقربين الذين يصفونه بالذي لا يعرف من أين تؤكل الكتف ، ويعيش غريبا في وطنه حتى اعلان موته الخجول ، والأمثلة كثيرة ، وليس بوسعي ذكرها ، لكي لا يُقال : توظيف سياسي.

أين تلك النخبة الممتلئة ثقافة وضميرا حيا ومبادىء راسخة وحبا للشعب وتقديسا للوطن ؟ ، تلك التي لا تتحسس من تفوق شخوصها ، ولا تهمش مبدعيها ، بل تقدمهم على صفوفها اعترافا منها بجميل أعمالهم ، واحتراما لفكرهم الاستشرافي ، أين تلك النخبة التي تتقدم المجتمع بالرؤية والسلوك ، وليس النخبة التي لا يختلف حديثها عما يدور في الكوفيات ، ما نراه ان غالبية من يحتلون موقع النخبة لا يرتقون الى أدنى خصائصها ، ولهذا نراهم على المال يتكالبون ، والنفاق ديدن سلوكهم ، ، يتلونون بحسب اتجاه الريح . وهذه ليست نخبة وان احتلت موقع الصدارة ، والحقيقي فيها يكابد الأمرّين ، وسينتهي مصيره الى الانزواء ان عاجلا او آجلا . من أتاح لصوت السطحي أن يعلو على همسات العميق ، هذا هو السؤال ؟ .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *