في البداية كانت واحدة من مقترحاتي على رئيس الوزراء (السوداني)، اثناء مرحلة تكليفه بتشكيل الحكومة، هو اعتماد (معايير تقييم الاداء المؤسسي) في (برنامجه الحكومي)، ليكون القاعدة التي من خلالها تنطلق عملية الإصلاح الاداري والمالي، او بمعنى اخر (مكافحة الفساد)، باعتبار أن الحكومة بامكانياتها وشرعيتها تعتبر الطرف الوحيد الذي يمتلك القدرة على مكافحة الفساد.
وقد قمت بنشر مقترحي المرفوع الى رئيس الوزراء في حينها، وذلك قبل ستة أشهر، على شكل مقالة نشرتها على صفحتي الشخصية وفي گروبات النخبة السياسية من أجل التثقيف باتجاه مرحلة جديدة ينبغي فيها تقديم أداء جيد ونوعي ولافت بخصوص ما يتعلق بالاصلاحات الضرورية.
وفعلاً، وعلى خلفية مقترحي، اعلن رئيس الوزراء في أول اجتماع للكابينة الوزارية عن رغبته باعتماد (معايير تقييم الاداء المؤسسي) لتحديد مستويات النجاح أو الاخفاق في دوائر الدولة، ويشمل ذلك كافة الموظفين.
وعلى حد قول رئيس الوزراء في ذلك الاجتماع : إن من ينجح في تنفيذ الأعمال والمهام يبقى، والذي يفشل سيتغير، وكل ذلك يتم وفق مؤشرات المعايير التي سترفع على شكل تقارير.
ومن هنا نفهم الخريطة التي سار عليها (السوداني) لتحقيق الإصلاحات المطلوبة في عمل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مكافحة الفساد الإداري والمالي، بواسطة مؤسسات الدولة نفسها، وتمت المباشرة بالعمل في هذا الاتجاه بموجب الأمر الديواني (23059) الصادر بتاريخ 14/2/2023، استناداً للصلاحيات التي يمنحها القرار التشريعي (رقم 880 لسنة 1988).
ولعل من الضروري الإشارة هنا الى أن الدولة العراقي قد أدخلت لأول مرة (معايير تقييم الاداء المؤسسي) إبان حكومة حيدر العبادي وفق قرار مجلس الوزراء (رقم 114 لسنة 2018)، ومن ثم جرى المباشرة باعتماد معطيات التقييم خلال فترة حكومة السيد عادل عبد المهدي سنة 2019، وذلك بعد أن تأسست لهذا البرنامج دائرة خاصة داخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء يطلق عليها (دائرة التدقيق والرقابة/ قسم تقييم الاداء المؤسسي).
وقد عملت الدولة العراقية على هذا البرنامج بالشراكة مع حكومة الإمارات باعتبارها من الدول العربية التي باشرت بتطبيق (برنامج تقييم الاداء المؤسسي) بعد اقتباسه من الدول الاوربية، وبعد تعريبه ليكون مناسباً للبيئة الوظيفية في البلدان العربية.
وتوفر معطيات (برنامج تقييم الاداء المؤسسي) لاصحاب القرار معرفة طبيعة أداء كل وزارة وكل موظف مسؤول عن عمل، من ناحية القيام بما ينبغي عليه من أعمال وواجبات وخدمات، وكذلك تحديد مستويات الجودة، ولهذا يعتبر برنامج التقييم المؤسسي أشبه ما يكون بالامتحانات لكل طالب، حيث من خلاله يمكن معرفة الناجح من الراسب وفق نتائج دفتر الامتحان.
وابتداءً من حكومة عادل عبد المهدي صار العمل على (التقييم المؤسسي) من المهام الرئيسية للأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتم تثبيت هذه المهمة في النظام الداخلي للأمانة، باعتبار أن هذا البرنامج هو الوسيلة الأساسية التي تسمح للدولة باصلاح نفسها بنفسها.
واستمرت الدائرة المعنية بالتقييم المؤسسي داخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء بالعمل مع كافة الوزارات على إنجاز تقارير الاداء الوظيفي وتحديد نسب النجاح والرسوب.
ولكن للاسف لم تقم (حكومة كاظمي) بمواصلة تطوير وانضاج هذا البرنامج الذي أسسته الحكومات السابقة ليكون وسيلة إصلاح بيد الحكومة، وبدل تبني واعتماد تقارير التقييم المرفوعة صار يتم تخزينها في أرشيف الأمانة العامة، وذلك على خلفية انزعاج كاظمي من النتائج المخيبة التي سقطت فيها حكومته لكونها حصلت على نسبة انجاز 17%، وهو ما يعني أنها حكومة فاشلة وراسبة.
وفي الختام .. تعتبر إقالة 57 مديراً عاماً كوجبة أولى، ستتبعها وجبات اخرى في ظل وجود قرابة الف مدير عام تحت دائرة التقييم حالياً، يشكل كل ذلك مساراً يقود لإصلاح الدولة بطريقة مهنية وعادلة، لكونها تقوم على أساس معايير أداء ليس فيها انحيازات سياسية ولا محاباة، وهي الطريقة المعتمدة لدى الدول المتحضرة والمتطورة، وهي الوسيلة التي قد تقود الى (تبييض الدولة العراقية) وتنظيفها من آفة الفساد.