كُتب الكثير عن التعليم الجامعي الأهلي في بلدنا، ومعظم ما كُتب لم يستند إلى بيانات، بل استند إلى انطباعات، وفي أحيان كثيرة إلى المصالح الشخصية؛ فمن أفاد منه كال المدح له، ومن تضرر من وجوده، أو بوجوده شتمه بأقذع الشتائم؛ حتى وصل الأمر بأحد وزراء التعليم إلى وصفه بالنقطة السوداء من دون أن يدرك أن التعليم بشقيه الحكومي والأهلي يعاني مما تعاني منه القطاعات المختلفة في بلدنا. أحادية، وتفريد الحديث عن المشكلة يغيّب حقيقتها. إذا ما أردنا النظر إلى مشكلة ما علينا أن نناقشها في محيطها.

حديث الارقام

في لقاء مع السيد وكيل وزارة التعليم الدكتور حيدر ضهد تحدث، بالأرقام، عن كون التعليم الأهلي استوعب 53 بالمئة من طلبة بغداد. وهذا يعني أن التوجه للتعليم الأهلي في العائلة العراقية بدأ يغلب التوجه نحو الحكومي. وهذا الأمر يثير الكثير من التساؤلات، وأبرزها: كيف نجمع بين هذه النسبة والنظرة السلبية السائدة إعلاميا عن التعليم الأهلي؟ وهل استطاع التعليم الأهلي أن يتخطى الحكومي في أدائه ليكون محطة أساس أم أن الأمر يتعلق بسهولة الحصول على شهادة أكاديمية؟وهل هناك إشراف حكومي على قطاع التعليم الأهلي يناسب موقعه المعلن هذا؟فضلا عن العديد من الأسئلة الأخرى التي طرحها من كتبوا عن التعليم الأهلي. وبمحاولة الإجابة سننطلق من آخر الأسئلة: في الواقع ليس من وزارة داعمة للتعليم الأهلي بقدر دعم الوزارة الحالية؛ وهو دعم اقترن بالمطالبة بتعزيزه وترصينه، ومن ثمّ كان الإجراء الأكثر فاعلية هو معاملة الجامعة الأهلية بقدر لا بأس به من المساواة مع الجامعة الحكومية، وهو أمر لم تعرفه الوزارات السابقة التي نظرت نظرة دونية للتعليم الأهلي. وهنا بودي أن أشير إلى أمر مهم: إذا ما كنّا متيقنين بحاجة التعليم في العراق بشقيه الحكومي والأهلي إلى التطوير والحث على مساوقة الجامعات العالمية الرصينة فمن الضروري رفع وصاية الجامعات الحكومية عن التعليم الأهلي، وهي وصاية ليست مجانية، كما هو معلوم. والعمل على ربط الجامعات والكليات الأهلية بالجامعات العالمية الكبرى عبر الإلزام بالتوأمة على أن تتولى الوزارة متابعة تنفيذ التوأمة، والإشراف التفصيلي عليها. وبهذا، خلال عام واحد سنحصل على ما لا يقلّ عن عشرة جامعات عالمية رصينة عبر نوافذ جامعاتنا الأهلية، الأمر الذي سيدفع بالتعليم الحكومي إلى إعادته النظر بواقعه بجدية حقيقية لا بشعارات مكتوبة على جدران متهالكة. النافس وحده يدفع للتقدم الحقيقي. أما عن تخطي الأهلي للحكومي، فهذا إن وجد فهو وليد قدرة الأهلي على توفير البنى التحتية بما لا تستطعه مناظرته من الجامعات الحكومية، أما على مستوى التدريسي فمازال الحكومي متفوقا بأعداد تدريسييه، بنتيجة التوسعة في التعيين الحكومي. وشعور المواطن بالاستقرار في القطاع العام نتيجة عدم وجود قوانين عمل موحدة تضمن المساوات في الحقوق الوظيفية والتقاعدية بين القطاعين: العام والخاص. وهذا الأمر ما زال غائبا عن المشرع العراقي.

نظرة سلبية

أما عن إجابة السؤال الأول؛ فالنظرة السلبية أصبحت سمة مائزة تطبع عقلنا الشعبي، وهذا أمر بمنتهى الخطورة لكونه يوطن الفشل ويجعل له مسوغا وجوديا، بكوننا لا نستطيع أن نقدم ما هو أفضل… وهذه النظرة يجب أن نعمل بجد على وأدها. يجب أن نتحدث عن الفاشل من عمل أو بشر بالأدلة والأرقام لا بالضن والتخمين.. فالضن يدخل في باب التشهير والسباب ما لم يُقرن بدليل. وهذا لا يعني أن التعليم الأهلي مبرّءا من كلّ عيبٍ. التعليم الأهلي ولد في ظل أزمة مجتمعية كبرى لذا من الطبيعي أن تطبع أظافرها عليه بقوة. وعلينا أن نعمل على تشخيص السلبيات لتخطيها. إذ ما من سبيل أمام الإقبال الشديد عليه غير هذا.اعتقد أن خطوات الوزارة الحالية في الاتجاه الصحيح على أن يتعزز دور الإشراف ويتسع مع رفع وصاية الجامعات الحكومية لكونها لا تختلف إلا نسبيا عن نظرياتها الأهلية الأمر الذي لا يعطيها حق الوصاية، وإعادة النظر ببنية لجان العمداء والهيئات القطاعية بما يوازي التوسع الحالي في التعليم الأهلي ومتغيرات سوق العمل. وهذا ما سنقف عنده لاحقا.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *