عقود طويلة، والاقتصاد العراقي رهين محبس النفط.. عانينا خلالها الكثير من المشكلات، نتيجة مايتعرض له النفط من اضطرابات،، هذا الحبس الطويل، ادّى الى تهالك باقي القطاعات ، اذ ليس امامنا سوى ان نحفر الارض ونبيع النفط لنأكل الخبز، وكلما بانت ملامح ازمة عالمية، وضعنا ايدينا فوق قلوبنا، خشية انهيار الاسعار، وبالتالي، لايبقى لدينا مانشتري به الخبز!!
ولأن النفط برمته تحت سيطرة الحكومة، فقد صارت الوظيفة الحكومية هي حلم ومطمح الشباب، فكانت النتيجة، النفط لموظفي الدولة، ما دفع باقي الشرائح للمطالبة بحصتها هي الاخرى من هذه الثروة، ولم يعد احد يفكر الا بخيارين لاثالث لهما، اما الوظيفة او الرعاية الاجتماعية!! فتضخم الاثنان، لمستوى بات يهدد بالانفجار، لان فلوس النفط لم تعد تكفي لتغطية هذه المتطلبات!!
وطيلة هذه العقود، كنّا ننتظر حلاّ او قدرا يطلق الاقتصاد من محبسه، فتحدّث الكثيرون عن حلول ومعالجات لهذه المشكلات، فهناك من تحدّث عن تطوير السياحة، واخر قال ان الحل في الصناعة، وثالث يرى العلاج في الزراعة، ورابع ذهب الى الضرائب والكمارك والمنافذ.. الخ الخ.. ولكن لم يتحدث احد عن قطاع النقل، واثره في تحريك باقي القطاعات، فهو كما الشريان، الذي يديم الحياة في اعضاء ومفاصل الجسد كافة.
الكثيرون يزورون بلدان العالم، فيعودون مبهورين بما يشاهدونه من طرق سريعة وسكك حديد متطورة، وسفن عملاقة ترسو في موانئ متكاملة، وشركات طيران تتوافر على اساطيل حديثة، وغير ذلك، ثم يتساءلون لماذا لا نكون نحن مثل تلك البلدان، لماذا قطاراتنا بطيئة، وطائراتنا قليلة، وطرقنا السريعة خاوية، وموانئنا مازالت دون مستوى الطموح؟!!
ويبدو ان مشروع طريق التنمية الذي انبلج صبحه من بغداد، سيحمل الاجابات عن كل هذه التساؤلات المزعجة،
وهنا لا اريد ان ابدو كثير التفاؤل، مع وجود الكثير من الاصوات، التي لا ترى في مشروع طريق التنمية سوى ممر لنقل بضائع دول المنطقة، واظن ان قولا مثل هذا في اجحاف وتقزيم للمشروع، فهو ليس ممرا وحسب، وهنا اتحدث عن المعطيات التي تحدث بها خبراء الاقتصاد، اذ يمثل المشروع، بدء مرحلة جديدة يشهدها العراق، يكون فيها البلد محورا ومرتكزا تدور حوله باقي بلدان المنطقة، اذ يعتمد طريق التنمية بالاساس على ميناء الفاو، وليس بديلا عنه، ولذلك كلما كانت القناة البحرية (الميناء) اكثر فعالية، كلما انعكس ذلك على ازدهار القناة الجافة، وهذه القناة ليس مجرد طريق مبلّط وحسب، انما هي عبارة عن مشروعين، الطريق البري السريع والسكة الحديدية اللذان يربطان اقصى نقطة في الجنوب (ميناء الفاو الكبير) باقصى نقطة في الشمال (فيش خابور) على الحدود التركية، ويمران في اكثر من نصف محافظات العراق بمسافة تصل الى اكثر من ١٣٠٠ كيلو مترا،.
المشروع سيسهم بنحو واضح في تحقيق التنمية في المناطق التي يمر بها، من خلال مئات الالاف من فرص العمل التي يوفرها، ومليارات الدولارات التي ستدخل الى خزينة الدولة، ونشوء المدن الصناعية والسكنية، والانشطة الاقتصادية الواسعة التي تتحرك مع بدء عمل هذا المشروع، وكل ذلك سيحقق حالة من الاستقرار غير المسبوق في البلد، وهذا سيدفع كل بلدان المنطقة على ان تكون حريصة على استقرار العراق، لان لها مصالح وبضائع واستثمارات في مشروع طريق التنمية، وهو بهذا فعلا سيكون طريق العراق الى التنمية.
واذا كان المشهد كذلك، وهو كذلك، فلماذا هذا التخوف، من مشروع طريق التنمية؟
فلقد آن الاوان فعلا لاطلاق سراح الاقتصاد من محبس النفط ، وهذا المشروع يمثل فرصة ثمينة للاقتصاد بان يكسّر قيود الاحادية النفطية، ولكن كل ذلك بحاجة الى ارادة قوية، واظنها باتت متوفرة اليوم.
—–