في علمِ النفسِ التحليلي يقسّمُ فرويد مكوناتِ الشخصية استناداً الى ثلاثةِ محركات …الهُو id والأنا Ego والأنا العليا Super Ego. –
مالذي يحدثُ من تَفاعلٍ بينَ هذه المكوناتْ؟ وكيفَ تتحدّدُ في النهايةِ الناحيةُ السلوكيةُ للإنسانْ وطبيعةِ شخصيتهِ بناءً على هذه الثلاثيةِ ؟
(الهُو) تحرّكُه الغرائزُ ودوافعُها الملحّة على نيلِ ماتريدُ في الحال باعتبارها “قوى موروثة لاعقلانية تُجبرُ السلوكَ على اتجاهٍ معيّن” حسب “ماكدوجل”. وهذا يحتلُّ الأولويةَ القصوى لدى الكائنِ الحيّ قبلَ كلِّ شيءٍ حيثُ يتقدّمُ على الأمنِ والحبّ والانتماء وتقدير الذات والإحترام وحتى الإبداع “حسب مثلث ماسلو المعروف”
الهوُ هذا، عديمُ القِيم،لايعرفُ رأفةً ولاضميرَ، مثلُه مثلُ حيواناتِ الغابِ الذين لاتقيّدهم ولا تتحكم بحياتهم وسبل معيشتهم الا الحكمةُ الإلهية، الذين نراهم في الأفلام الوثائقية،(القوي يأكل الضعيف) بطرق شتى، مرة يبتلِعُه ومرّة يأكلُ صغارَه ويقطّع لحمَه حيّاً وهو يستغيث، في مستوى مدهش من التوحّش الذي تديرُه حكمةُ التوازن الفريد : لا الضعفاء ينقرضون ولا الأقوياء يبقون. مجتمع الغريزة المحضة الذي يسعى للبقاء بأيِ وسيلة..
يقابلُ تلك الدوافع لدى الإنسان بوصفِه كائناً غريزياً أيضاً ،مايعرفُ بالأنا العليا أو ( سوبر ايكوSuper Ego ) وهو بمثابةِ مستودعِ القيمِ والضميرِ والأخلاق، وكلّ ما يقمَعُ شَراهةَ الهو وتوحشِه .
أما مهمةُ ( الأنا Ego ) الصعْبة، فهي الموازنةُ بينَ الكفّتين ، بينَ الحيَوانِ الشرِهْ الشرس الذي لا يعرفُ حدوداً ولا اكتفاءَ من إشباعِ الغرائزِ وتنفيذِها الفوري . وبينَ مستودعِ القيمِ والأعرافِ والتنشئةِ الإجتماعيةِ والقانونْ .
وبناء على درجة الموازنة تلك تتحدّدُ شخصيةَ الإنسان الذي تمثّلُه (الأنا) بمدى تفوّقِ أحدِ الطرَفين فيه، ومدى انصياعِهِ للجانبِ الغريزي المارق، أو لجمِ جماحِه أو تأجيلِ اندفاعِه في الأقلْ .
فاذا كانَ الشخصُ فارغَ المحتوى لاضوابطَ ولا خشية َمن شيءٍ، ولا ضميرَ ذاتيّاً ولاتربية ولا تنشئة صحيحة… سيتواطأُ حتماً مع الهُوو الذي يتسيّدُ على سلوكِه .. وإذا كانَ عكسَ ذلك، نراهُ شخصيةً مثاليةً متوازنةً عادلةْ ، تتحكّمُ باشباعِ غرائزِها في حدودِ الحاجاتِ الطبيعيةِ المنظّمةِ المشروعةِ التي لابدّ منها.
أو النوع الثالث وهي الشخصيةً القلقة التي يتنازعُ فيها المستويان دائماً.
فنحنُ البشر؛ سلوكياتُنا وشخصياتنا ، أحد هذهِ النماذج الثلاثة – حسب النظرية طبعاً.
تحضرُني هذه المعادلةُ العريقةُ الشهيرةُ لفرويد عندَ مقارنتِها بالدولة ، بوصفِها كياناً مركباً .. الهو id هو الإهمال والحماقاتِ والفسادِ وانعدامِ الضميرِ ونهبِ المال العام والإحتيال وعدمِ خشيةِ شيء .. فيما تتمثّلُ الأنا العليا بمنظومةِ القوانين والقيمِ العامة والرقابة سواءً الوضعية من لوائحَ ودستورٍ ورقابة،أو العقائدية التي توصي بالأمانة والزهدِ والإحسان وبياضِ اليد . بينما تمثّل الحكومة ( الدولة Ego ) ومركزَها .. الذي يجبُ أنْ يحدّ من تغوّلِ هذا ويبسطُ سيادةَ ذاك ..
هنا يكمنُ معيارُ قياسِ الحكوماتِ وشخصيتِها وقدرتِها على الإدارة ، كم هي قادرةٌ على لجْم جِماحِ الهُوو والحدّ من تغوّلِه، وبينَ فرضِ محتوى الأنا العليا المتمثلِ بالقيمِ والقوانينِ والسلطاتِ العامةِ التي تعلو على الجميع.
وبذلك يمكنُ تطبيقُ معادلةِ السلوكِ البشري هذه حسبَ النظرية؛ كمقياسٍ للدولة،مستوى قوةِ حكومتِها وسلامةِ ادارتِها وعلوِّ مكانتِها وتقدمّها على الصُعدِ كافّة .فالحكومة أي حكومة بالعالم ، ومثلها أي ادارة لمؤسسة صغيرة أو كبيرة بمثابة ( أنا الدولة ) وصورتها في النهاية