عقارب الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا، وانا جالس في المطبخ، وبيدي اليمنى كوب الشاي، وبيدي اليسرى الموبايل، وسألني أحدُ أولادي: هل رأيت كيف فاز حسحس؟! فسالته؛ ومن هو حسحس؟! وماهو عمله؟! وبماذا فاز؟! فارسل لي هذا الخبر وهو : (فوز التيكتوكر ابن الأنبار حسام الأمير “حسحس” بالجولة على خصمه الأجنبي بـ 23مليون نقطة) ومن خلال تتبع الخبر عرفت أنَّ الأمر يتعلق بالتفاهة التي أصبحت تدرَّ الملايين لأصحابها.
وياللأسف أن تلقى التفاهة سوقاً رائجاً، لا يدلُّ على مستوى المحتوى التافه فحسب، وإنما يدلُّ أيضاً على مدى تفاهة الجمهور العريض الذي يلقى عنده هذا المحتوى موقع القبول!!
إنَّ مشكلتي مع هذه البشرية، هي مع تصوير الشاذ على أنه القاعدة، وجعل بعض التافهين قضية محورية لهذا المجتمع، وتتابعه لحظة بلحظة، كأنما أوتي علم الأولين والآخرين!! وكأنَّهُ ما عادت عندنا مشكلات وقضايا أكثر أهمية والحاحا!
مشكلتي وأنا أُشاهد هؤلاء السفهاء يحتلون المقدمة، ويملأون الإعلام، ويركبون أفخم السيارات، ويعيشون حياة الترف، بينما يكتفي أصحاب الوظائف المحترمة والعلماء – عاشقي هذا البلد – في عزاءٍ لأنفسهم بحبهم الخالص له ويباهون شعوب العالم بشعار الوطنية والإنتماء!
لكن يومًا بعد آخر؛ حين يذهبون ليشتروا بما في جيوبهم من صكوك حب الوطن ما يسد الرمق؛ يكتشفون فجأة أن عملتهم لا تنفع لتوفير حياة كريمة وأن الوطنية بنكٌ بدون رصيد ولا سيولة.
لماذا تُصرف وتُنفق هذه الأموال من أجل التفاهة؟!!
ولمَ لا يتم تخصيص مثل هذه المبالغ لمرضى السرطان أو غسيل الكلى؟!! لماذا مرض التفاهة هو الذي يلقى كل هذا الاهتمام؟!!
ثم لماذا نذهب بعيداً؛ فمثلاً ادعُ الناسَ إلى محاضرة علمية مجانية يلقيها فقيه أفنى عمره بين الكتب، أو عالم اقتصاد أو مهندس مخترع؛ ثمَّ ادعُ الناس إلى حضور حلقة لأحد التافهين مع دفع مبلغ من المال ثم قارن بين الحضور هنا وهناك، ستجد الناس بالغالب يزهدون في المعرفة وهي مجانية ويسارعون إلى التفاهة وهي مدفوعة الثمن!!
والآن؛ قل لي أما زلت تستغرب كيف أن الدجال سيتبعه مليارات الناس وهو الذي يأتِ معه جنةً وناراً؟!! ويأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويحيي الموتى بإذن الله، امتحاناً لعباده، وتمييزاً بين الخبيث والطيب!!
وسلامتكم