في ذلك اليوم نصحتُ معاونتي في العمل بتبديل ما لديها من نقود إلى الدولار لأن تذبذب سعر صرف دينارنا لا يضمنه احد. سمعت المرأة نصيحتي وجمعت كلّ ما لديها من أجور في سنين خدمتها الطويلة، واتّجهت إلى محلّ تصريف العملة، وبلغ ما تستحقّه عشرة آلاف دولار، أي (دفتر) كما يُقال في السوق في هذه السنين. عادت إلى بيت أبيها، وتذكّرت أنها لم تصرّف راتبها الأخير، وقصدت المحلّ نفسه في اليوم التالي.
– ماذا نسيتِ بالأمس يا أختي؟
سألها العامل في المحلّ. واستغربت المرأة أن شابّا غريبا يكلّمها. نظرت إليه بعينين فارغتين، امتلأتا فجأة دهشة حين قدّم العامل لها (الدفتر) كاملا، مشدودا وغير منقوص.
– هذا المبلغ يعود لك لأنك غادرتِ المحلّ بالأمس دون أن تأخذيه.
المرأة عاملة وفقيرة، والشابّ هو الآخر عامل وفقير. الحاجة والعوز لديها قابلتهما نزاهة وأمانة وشرف بالغ لدى الشابّ.
ليس غريبا إذن أن تشرق الشمس علينا كلّ يوم، وتجري الرياح والأنهر في مسراها. إن البارئ يديم النعمة علينا لأن مثل هذين العاملَين الفقيرَين في الوجود…