من الثابت ان التكرار اليومي لنشر وتسويق الاخبار في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والاعلامي حول قضية او ظاهرة سلبية تنتشر في المجتمع او الدولة يؤدي الى ضعف المناعة و اللامباة لدى المتلقي . إذ أن التكرار حد الأفراط يثير السأم و الأحباط لدى الجمهور ، دون إتخاذ إجراءات لمعالجة جادة و إصلاح حقيقي لتلك الظاهرة التي أخذت تدب في مفاصل الدولة و أسقطت سمعتها .
فلم يعد الفساد المالي و الاداري الذي أقترن بمؤسسات الدولة العراقيةا خلال الاعوام المنصرمة تتداوله الوسائل الاعلامية فقط بل المسؤولين بمختلف المستويات يتناوله بوصفه مرضاً متفاقماً ، يفترس المال العام ويعيق التنمية و يشيع الفقر والتمايز الطبقي .واليقين أن هذا الوباء أصبح أحد المؤشرات التي تضعها المنظمات الدولية كمعيار لهشاشة او فشل الدولة مقارنة بالدول الاخرى ، وتعتمد تلك المنظمات في تقييمها على ما تنشره وسائل الاعلام و غيرها من المؤسسات المختصة والجهات الرسمية من وثائق ومعلومات حول هذا المؤشر وأثره على جودة الحياة في المجتمع.
تحقيقات استقصائية
ان الفساد المالي ليس ظاهرة مقترنه بدول العالم الثالث و إنما في معظم الدول المتقدمة و المتخلفة و لكن بنسب مختلفة ، حتى أن أمريكا أغتيل فيها 15 صحفياً بسبب تحقيقات إستقصائية تتعلق بكشف الفساد في عام 2001م فقط و أكثر من هذا الرقم لصحفيين كشفوا عن عصابات الجريمة المنظمة في ولاية أريزونا وكان لتلك التحقيقات الدور الأهم في القضاء على الجريمة بعد إلقاء القبض على رؤوس مافيا الجريمة ما أدى الى عدم قتل أي صحفي منذ ذلك التاريخ .و لم يزل للاعلام الدور الكبير في كشف الفساد و الجريمة و معاقبة المجرمين، فقد كشف جون كاريو مراسل صحيفة (وول ستريت جورنال) عن مزاعم كاذبة لشركة المليارديرة اليزابيث هولمز التي وعدت بأختبار مجموعة واسعة من المشكلات الصحية باستخدام بضع قطرات من الدم . و قد بدأ في الانهيار كل شيء بعد تحقيق أجرته الصحيفة. وأدى الى الحكم في 30 مايو 2003 على هولمز البالغة 30 عاماً فقط 11 عاماً و أن تشغل بوظيفة براتب أقل من 0،12دولار في الساعة و كانت تمتلك ثروة صافية قدرها 4,5 مليار دولار وفقاً (لمجلة فوربس).و بذلك فأن الاعلام مارس سلطته في كشف الحقيقة ، السلطة التي مابرحت تشكل ميداناً مؤثراً في الانظمة الديمقراطية ، في ما سلطة الاعلام في العراق أغلبها مازال يتوارى خلف سلطة الاحزاب التي تقود الدولة المنهوبة ، واذا ما كشفت ملفات مهمة تطال رؤوس الفساد فأنها تنتهي الى مقبرة اللجان .
ومانشاهد و نقرأ في تلك الوسائل الاعلامية غالباً نجده عبارة عن لغو و إتهامات و ليس قرائن و معلومات فما زال الصحفي يعاني من حق الحصول على المعلومة . و أن أخبار الفساد المالي الذي تضج به وسائل الاعلام و الشكوى من آثاره، و الجهود التي تبذلها الجهات المختصة تطال اللصوص الصغار ، و يعود ذلك الى ضعف الارادة الحكومية و تمدد وباء الفساد في مؤسسات الدولة الذي وجده رؤساء الحكومات مادة للدعاية في البرامج الحكومية . إضافة الى تراجع دور الرأي العام في الضغط على السلطات لمنع الوباء و الفضائح المرتقبة .