يلاحظ المراقب وجود تراجع في معدلات النمو السنوية للسكان في العراق، وقد يكون هذا الامر حالة عامة تشمل اغلب بلدان العالم، نتيجة اتخاذ الكثير من السياسات والاجراءات بغية تغيير الصورة القاتمة التي تنتظر البشرية بعد مئة عام فيما لو استمر السكان يتكاثرون بهذا المستوى،، ولكن على الرغم من تراجع النمو السكاني، وانخفاض نسبة الخصوبة لدى النساء لدينا ، الامر الذي دفع بالعراق الى ترك موقعه بين البلدان (عالية النمو جدا) الى اخذ مقعده بين (٨٧) دولة في العالم تسمى (عالية النمو)، اقول رغم هذا التراجع (الطفيف) الا ان الزيادات السنوية للسكان مازالت مرتفعة، اذ تشير ارقام وزارة الصحة الى تسجيل نحو (١.٣) مليون ولادة في العام الماضي، وهو رقم ليس بالقليل، مقابل انخفاض معدلات الوفيات، وارتفاع معدلات البقاء على قيد الحياة بين النساء والرجال، ولكن اجد مع هذه الزيادة العالية الى حد ما انها تبدو طبيعية، اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان اكثر من نصف السكان هم في سن الزواج، التي تفترض ان عدد الولادات يبلغ ثلاثة اضعاف المُسجّل حاليا، وعند ذاك يمكننا ان نصف مايحدث بـ(الانفجار السكاني).
مقابل ذلك وبصرف النظر عن توصيف النمو السكاني، فيما اذا كان يمثل زيادات طبيعية ام يدخل في خانة الانفجار، فأن الامر بحاجة الى سياسة سكانية بعيدة المدى، تتبناها الحكومة، وتتولى مؤسساتها كافة تنفيذها، وصولا لاستيعاب حجم السكان وتحويل الزيادات الى محركات تنموية وليس اعباءً اقتصادية، ومثل هذه السياسة، ينبغي لها ان تغطي كل الشرائح العمرية من الطفل الى الكهل، ولا تغفل اي قطاع او مفصل من قطاعات التنمية ومفاصل الحياة كافة، من الغذاء والدخل والتشغيل، والفقر والبطالة، الى السكن الى التعليم، والصحة، والطرق، والماء والكهرباء والمجاري، والتغييرات المناخية، وكل تلك السياسات تتطلب وضعها وفقا لصورة الفجوات على مستوى كل قطاع من قطاعات التنمية.
وقد توجهت الحكومة فعلا نحو وضع مثل هذه السياسة السكانية، لتكون موجهة لاجراءات مؤسساتها كافة، ولكن تنفيذها بحاجة الى جهود كبيرة، يشترك بها الجميع من دون استثناء لتحقيق اهدافها، وبخلاف ذلك، فان الصورة تبدو قاتمة جدا، وتنذر بالكثير من التداعيات غير محمودة العواقب.
—–
مقالي المنشور يوم الاحد ١٨-٦-٢٠٢٣
في جريدة الصباح

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *