طالت الحرب في السودان وهي مرشحة للاستمراروالدخول في خانة النسيان كما هو حال الحروب الاخرى ، والحرائق تمتد الى مدن السودان الواحدة تلو الاخرى إن لم تطفىء سريعا من أهلها في الداخل وهم مادة الاشتعال ايضا إن استمرت تستعر بعد إن عجزالخارج عن اطفائها ، فكل ما توصلت اليه جهود الوساطات الخارجية ( هدنات ) لم تصمد طويلا امام اصرار الطرفين على القتال ..
فامريكا مع ( جلالة قدرها ) والسعودية مع ( قوة تأثيرها ونفوذها ) لم تستطيعا في مبادرة ثنائية واجتماعات طويلة مع الطرفين المتحاربين اطفائها وتخليص السودان والمنطقة من شرارها الذي قد يتطاير بعيدا ويتحول الى حرائق أخرى والعرب في صمت مطبق فلم يتعد تأثيرهم الكلمات كما توضح في الخطابات في القمة العربية التي عقدت مؤخرا في جدة بالسعودية.. يقابل ذلك الصمت تمدد في الحرب الى مناطق اخرى ومنها داروفور التي سبق أن شهدت معارك ومواجهات كثيرة على مدى سنوات طوال .
فشل وانسحاب وتراجع في الوساطات بين المتحاربين من اطراف عديدة وعالم يتفرج على ما يجري من قتل وتخريب وهجرة لابنائه من نار الحرائق المستعرة والسودان يغرق في الموت والدمار بسرعة غير مسبوقة على حد ما جاء في تحذير للامين العام للام المتحدة انطونيو غوتيريش في مؤتمر في جنيف لايصال المساعدات الى السودان .
المدنيون في محنة كبيرة بسبب الحرب .. تركوا مدنهم ومنازلهم وهاجروا وتشير الاحصاءات الى ان الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تسببت بنزوح اكثر من 2,2 مليون شخص داخل السودان وخارجها ، لجأ منهم أكثر من 528 الفا الى دول الجوار..
البلد اساسا يعاني من ازمة انسانية تحولت الى كارثة .. في هذه الحرب ليس امامه غير العودة الى السلام وعودة الحكم المدني عبر الانتقال الى الديمقراطية على حد ما يرى الامين العام للام المتحدة وهو الحل الصحيح لهذه الازمة .. فالبلد مرشح للانهيار الكامل .. وكلما تأخر تسليم السلطة الى المدنيين واجراء انتخابات حرة ونزيهة ازداد الوضع تدهورا والشعب هو من يدفع الثمن في ( حرب الجنرالين ) ..
والصحيح ايضا ان الجيش مكانه الثكنات والمعسكرات .. يرابض على الحدود للدفاع عن البلاد والامن والاستقرار وليس الدخول في معارك من اجل السلطة..
الازمة تحتاج الى رجال زاهدين بالسلطة لحلها وينقلون السودان من هذا الواقع الى واقع آخر مختلف تعود السلطة فيه الى (المدنيين) بعد أن جربت حكم ( العسكر ) ويحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال صناديق الاقتراع .. وهو الطريق الصحيح لحل الازمة وانهاء الحرب .
ويبدو هذا الحل الصحيح الان بعيدا أمام إصرار (الجنرالين) على القتال لاعتقاد كل منهما بالنصر على الاخر لما يملكه من امكانات عسكرية ورجال وطموح في السلطة .
غريب ما يحدث في السودان والاغرب هو ان العالم ( المتقدم ) انشغل – بعد ان اشتعلت الحرب بين الطرفين – برعاياه فقد تعاون على وجه السرعة ليس لانقاذ السودان بوقف القتال بين الطرفين بالسرعة نفسها بل لاجلاء الرعايا وافرغاها من الوافدين والدبلوماسيين وكأنه يعلم بما ستؤول اليه الحرب من نتائج خطيرة ومنها انها ستطول كثيرا ، وترك أهلها تحت رحمة الحرب المدمرة بين الفصيلين يتصارعان لكي ينهي أحدهما الاخرأو ينتهان معا أو ينتهي السودان على يديهما..
ما يحصل في السودان يعيد الى ذاكرة أهلها والعرب تجربة الفريق عبد الرحمن سوار الذهب ويتذكرونه بالخير لانه صنع علامة خاصة به وسابقة تاريخية لم يكررها أحد بعده ، بل على العكس أصبح التمسك بالسلطة تقليدا أو هي قدر لإناس دون غيرهم ..
لم يتذرع بأي عذر للبقاء ، و لم يغره بريق السلطة ولا تيجانها فيطلب التمديد .. لم يتعكز على دوره في إسقاط الحكم ، ولم يطلب مقابل ذلك شيئا ، بل يعده خدمة عامة للشعب وواجبا اخلاقيا ووطنيا ..
لم يلعب مع الشعب ( لعبة الديمقراطية والانتخابات ) لتكون وسيلته للبقاء في السلطة مدى الحياة ..
وما أسهل الفوز فيها إذا أراد ..
{ { { {
كلام مفيد:
قالت : علا الناسُ إلا أنت قلت لها :
كذاك يَسفلُ في الميزان من رجحا