أضعُ كلمةَ الدعاءِ لأجلِ موجةٍ مجروحةٍ
من نهرٍ إلى نهرٍ عَبرتْ حياتُها وانتهتْ،
مالحاً كان اسمُ الصبرِ في ريقِها،
حارّاً في عينِها كان سُمُّ الخيال.
أضعُ كلمةَ الدعاءِ لأجلِ شجرةٍ صارتْ تتعلّمُ
كيف تدهنُ إصبعَها بجسدِ صديقتِها حتى تشتعلَ،
ولا تنتهي.
..
يا ربُّ، قلنَ: نحن أميراتُ أمرِكَ،
نحن الّلاتي صنعتَ فيهنَّ (الحُبَّ) والنوى،
قَرأنَ في القرائنِ الأولى عن نارِ الكلامِ ولهبِ العدمِ،
خليلاتٌ محروماتٌ يَهِبْنَ خليلاتٍ محروماتٍ سلاماً وحناناً،
سُنَنُ خَلقِكَ أخذتْهُنَّ إلى ذاك الوجعِ المسكوكِ من حَجرِ الكتمان
إلى رائحةِ ظلامٍ رائبٍ في الروح.
..
كأنهنَّ سطرٌ من اللّحمِ يقفنَ في العُرْي،
كلُّ نَفَسٍ منهنَّ كلمةُ افتحْ،
ولا مغزى في الوجودِ يعرفُ مغزى وجودِهنَّ،
حتى يَتفتّحَ وجهُ الليلِ ويصيرَ كتاباً
لكلِّ لوعةِ غَنَجٍ، معنى وظلٌّ
لكلِّ رجاءٍ هبةٌ،
هبةٌ من لطفِكَ وسطوعِ شأنِكَ،
منهما يلجَ الدمَ
كلُّ ما يطردُ الدخانَ عن حُرقةٍ بلغتْ هواها فيهنَّ،
كلُّ ما يَشدُّ طنينَ الخوفِ
عن شهيّةٍ رَكَزتْ في العظام
عن فِتنةٍ شجَّ نصلُها السكوتَ.
..
يا ربُّ، قُلنَ: هذه هي الوشايةُ،
كُلّما يستغرقنَ في حواري الصبيان
تأخذهنَّ آياتٌ إلى غيرِ آياتِهم،
عيونُهم مُعجَمةٌ في وادٍ
وسيقانُهنَّ في وادٍ تجأرُ وتنطفئ،
ما من ضوءٍ وماءٍ للعشبِ
ما مِنْ أَنين ولا لَسعةٍ في أعصابٍهنَّ،
آخر كلِّ نهارٍ
تغرق كلُّ واحدةٍ في نهرِ العذاب.
..
يا ربُّ، قلنَ: إنَّ نشيجاً منّا يتعالى،
تعالى اسمُكَ،
هناك على ساحلِ الأبدانِ أوجاعٌ أكثرُ من العجب،
وجودٌ مُرٌّ في ممرّاتِ الهواء
رائحةُ صوتِ حامضٍ بين جثّتين،
ليمونةٌ تطبقُ على ليمونةٍ،
غصنُ بتولٍ ينـزلقُ في فمِ وردةٍ على مهلٍ على مهلٍ،
كأنَّ روحاً تنفخُ روحاً
حتى يبزغَ المعنى حيّاً كاملاً، سبحانك،
وتشعُّ عينُهُ من عينِ الظلام.
..
جنونٌ هوَ في نظام الناس، غَرزُ تأنيبٍ باسم ضميرِ الغواية،
لكننا نحن أميراتُ أمركَ نتقلّبُ تحت عيدانِ فُلفُلهِ،
كلُّ نبتةٍ حارّةٍ تَلفُّ نفسَها نبتَةٌ حارّةٌ،
من كلِّ لماذا تشعُّ “لا ندري”،
من كلِّ نقرةٍ يندَهُ صوتٌ:
هذه أبوابٌ هائمةٌ لا تُفتح
سوى على أبوابِ هائمةٍ مثلها.
..
يا ربُّ، قلنَ: يرضيك
أن يشدَّ جسدَ الهائمةِ آدمُ من لحمٍ مبهمٍ؟
لا يعرفُ الـ….”نستحي أنْ نقوله”.
لكن حسناً سنقول، آدمُ الذي من لحمٍ مبهمٍ
لا يرى ماؤه لهبَ الحجراتِ التي تنام وتصحو فيها النيران.
لا يدرك سؤالَ الهائمة المبتورَ وهو يتعثّرُ بحروفهِ،
يكسرُ رأسَهُ بين فخذيها.
ولا تقطفُ منهُ ثمرةً
أنتَ وضعتَ فيها بذرتَها النادرة.
..
يا ربُّ قلنَ: إنَّ جسداً يتحطَّم ويمحى صفير رغبتهِ وتأويلُها
يسودُ فسادُ الروح فيهِ،
يشبُّ لهبُ الأحزانِ في آياتهِ السعيدة،
يتغضّن شكلُ الصورةِ التي هو فيها
يغدو مُملّاً وتغدو كلُّ رغبةٍ مَللَاً،
كلُّ دمعةِ رجاءٍ خذلانٌ،
سوى واحدةٍ
تلك التي تعضُّ عينيها كلَّ ليلةٍ
وتشقُّ السماءَ اليكَ بصرخةٍ مريضة:
يا ربُّ
***

ديوان كيف تقرأ قصيدتك القديمة؟

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *