حين تضع الحرب اوزارها ، وحين يذهب الجنود الى النوم ، تصحو احلام المنسيين ، من الخبازين والعتالين وصناع الجين وحلوى الفقراء ، هكذا انتهت مساحات الصيد وانهار الجمال بريشة رينوار ومانيه ابان انتهاء الحرب العالمية الثانية ، حرب سحقت القوميات وطحنت الاثنيات وهدت معالم السكون والعروش ، وحثت ذاكرة المتناحرين الى فداحة احتمالات الاجيال القادمة ، فداحة الرعب الكامن في التفكير المكبوت والتضليل ، وملايين من الاجيال المهجنة جراء اغتصاب النساء وقتل الاسرى وابادة الاطفال ، وحرق الثوابت ، والتطلع الى حلول القمع والابادة الشاملة، في حذر وتوجس لاجمل بقعة ارضية اسمها اوروبا ،
اوروبا هي الحلقة التي تربط الشرق والعالم كله، بالغرب الحقيقي والتاريخ بالجغرافيا اوروبا الحلم العربي في التوغل الى اندلوسيا واشبيليا وبلد الوليد … اوروبا الفلسفة والشيوعية الحمراء والملوك المتخمون بالعطور والجمال والترفع الاخلاقي ، اوروبا التحضر البريطاني وتدوين الاداب والعلوم والفنون … اوروبا اللغات والسمات والازياء والجامعات وملاذ الكينونة الفلسفية والمعرفية
اوروبا الحرية المطلقة لسلفادور دالي وبيكاسو البيتلز تصدح :
راقصني حتى اخر ذرة عقل تملكها .
ولم يخطر ببال اوروبا ان المهاجرون الجدد ليسوا كمهاجري سبته ومليله، وليسوا عنق الزجاجة على قمة جبل طارق، وهم ليسوا قرائن ابن رشد وفقهاء الاندلس، فالمجد الاوروبي يكتبه الان رياضيون وفنانون وادباء وعلماء ولدوا على ارض اوروبا وهم ابناء الحلم الاوروبي العربي والافريقي والاسيوي والكردي والتركي ، حيث جاء بهم أباؤهم هربا من سطوة الشرق الدموي ومن انين جراح المعدمين الفارين من الطغاة والاباطرة والفقر والتخلف الاجتماعي ، الاباء الذين وجدوا في صورة طه حسين المعجزة التي نحول الضرير والمعدم القروي في قرى الصعيد المصري الى بصير ومفكر ثوري ببدلة متحضرة ووعي محدث ورفض كوني، وتريد اوروبا ان تقول للعالم ان ابنائها ليسوا انبياء القرون المتاخرة !!
وانهم يحملون بقرى ومدن اوروبية الشكل والهوية وان الدخيل دخيل وان عاش بين ظهرانية نيس ومونبلرناس وعلى عشقًا في الشانزليزيه
تاكد لدى فرنسا والسويد وسويسرا ولندن ان الدين ومعقل التخلف الاثني ناقوس خطر قادر على حرق الاخضر واليابس ، والاخطر فيما ستتركه المواجع المترتبة على اثار الشحن الديني والعرقي ، وتلك اللكمة التي سددها زيدان في كاس العالم لان لاعبا ايطاليا شتم شرف شقيقته ومس عرضه في الملاعب ، حتى صحى محللوا صحيفة اللوفيغارو على واقعة خسارة فرنسا لكاس العالم لان شقيقة زين الدين زيدان قد شتمت
حيث علق احدهم :ان حرية التعبير وكاس العالم لهما اهم من شرف شقيقة زين الدين زيدان التشاكل الحضاري ليس بالضرورة ان يكون ملتبس المعاني ، او منطقيا الى درجة السذاجة ، او متمثلا باحتضان ارض بعينها ، فالتكنولوجيا وبيوت الرخام والثراء الفاحش يملكها العرب وغيرهم في اوطانهم ايضا ، لكن اغلبهم لا يفرق بين الحرية والعدالة كما تفرق اوروبا ، والضحية هي الاخرى لا تفرق بين جودة العدالة وسلبيات الحرية التي تجعل من سلوان مومبكا سببا لكراهية الشعوب وبث الرعب ، بسبب مختل واني فاشل لاديفوق بين الدين وبين والوطن ، ولا حتى بين الدين وبين الكرامة الانسانية ولا يدرك معنى الحرية والعدالة
السويد وفرنسا وسويسرا ولندن وفي احياء ولاية مينيسوتا الاميركية هي مسارح استدلال على اهمية التفريق ااحرية كمعطى ذاتي وبين العدالة كنسق يمثل صلابة البناء العدلي الدولة ، والفقر الاجتماعي الذي يجعل الفرنسي ، متذرعا بمقتل الشاب نائل ، ناقما على دار كريستيان ديور وشركة ابل للهواتف
اوروبا الانموذج الاول للتعايش العالمي بحاجة الى استراحة فكرية وطروحات جديدة تمزج بين الماركسية المتفائلة والديمقراطية الديكارتية مع مسحة من ميتافزيقية افلاطون وايمان سبينوزا وتمرد فوكو وحكائيات تشيخوف، اوروبا بحاجة الى ريشة دالي وصراخ البيتلز وصلاة البابا في مسجد معزول ، وبحاجة الى اعداد الترويض للاجيال التي مسخها اليمين المتطرف واليسار الاجوف
اوروبا بحاجة الى اوروبا الامس ، الانسانية والحالمة بكل ما هو علمي وثقافي وجدير بالاهتمام
اوروبا بحاجة الى الجميع لانها وطن الجميع .