التقيت حميد الشطري، لقاء عابراً، قبل سنوات في مكتب رئيس جهاز الامن الوطني، آنذاك فالح الفياض. كان الشطري وكيلاً، كما قدم لي، لرئيس الجهاز، وقد بدت عليه سيماء شاب يتمتع بهدوء لافت وعزم ثابت وتنطبق عليه قواعد الحياة في الايمان والاستماع والتيقن والتفكير والمحاولة.
ومنذ ذلك الوقت لم ألتقه أو اصادفه ، لكن خيط الود الذي جمعني به، ظل قوياً عبر رسائل نصية أو تحايا عابرة نتبادلها في المناسبات العامة، لكني رصدت بعين الصحفي وفضوله انجازاته، بعد تكليفه رئاسة جهاز الامن الوطني، فازدادت ثقتي بقدراته واعجابي بكفاءته الأمنية واستجابته السريعة لنداءات الاستغاثة ، ولاسيما من المستضعفين الذين يقعون تحت ضغط الابتزاز او محاولات جرهم نحو هاوية الاذعان.
كما تابعت بكل دقة ، جهد الجهاز وهو يتصدى للتحديات الاقتصادية والامنية وغيرها، التي واجهت البلاد طيلة العقد الماضي. وتعرفت من مصادر موثوقة على الجهد والمتابعة الحثيثة التي يتكفل بها الشطري، شخصياً ، وهو يتقدم صفوف منتسبي الجهاز، في كبس الشبكات المنظمة، المحلية والدولية، والعناصر الضالة والممارسات المدانة في جميع الميادين. واظن ان لا عراقي ينسى دور جهازه في ضبط ملايين اللترات من كميات النفط المسربة والاوكار التي كان المهربون يتفننون في ايجادها، لطمر معالم افعالهم الضارة بالاقتصاد الوطني وبرفاه المواطنين.
كما تابعت قدرة جهاز الأمن الوطني على رصد شبكات تهريب الاشخاص أو ضبط سارقي الاموال العامة، ودوره في كشف خلفيات وملابسات جرائمهم، فضلاً عن دور الجهاز في ضبط شحنات الادوية غير المرخصة وتلك السموم، منتهية الصلاحية، التي تستورد، بالطرق والاساليب الملتوية المؤدية الى الاضرار بصحة المواطنين.
لقد اضطلع الجهاز، أسوة بالاجهزة الامنية الأخرى، بمسؤولياته النوعية على أحسن ما يكون ، وحقق انجازات لم تكن في وارد تفكير الحكومة أو معالجتها، قبل ان يتبوأ الشطري مهمته ، التي لم نسمع يوماً انه استغلها لجمع المال أو حماية الفاسدين أو التستر على التجاوزات والمخالفات القانونية . كان الرجل مهنياً أميناً ويتمتع بالنزاهة والسمعة الطيبة، الواجب توافرهما بشخص من طرازه ومستواه. واذا كانت التغييرات في المناصب الأمنية التي أجراها رئيس الوزراء امس، قد شملت الشطري، فذلك لا يعني انها تمت لمعالجة اخطاء او تدارك ضعف في الاداء والمسؤوليات داخل جهاز الامن الوطني، طالما ان الشطري عمل بالحكمة الهندية التي تقول: من اراد النجاح في هذا العالم، عليه ان يتغلب على أسس الفشل الستة: النوم، التراخي، الخوف، الغضب، الكسل، المماطلة.
ان المنصفين يدركون ان الوظيفة العامة هي خدمة يؤديها المكلف الى حين ، وان على من يتولاها ان يعرف انها ليست تشريفاً دائماً، بل هي مهمة وطنية تقتضيها الظروف وتمليها الواجبات والشواغر.
ولعل اختيار أبو علي البصري، لهذا المنصب سيمد الجهاز بدماء شبابية جديدة على حد قول بيان الحكومة، ما ينطبق على الشطري والبصري القول المأثور: (خير خلف لخير سلف). ونرى من المسؤولية التذكير بان النجاحات التالية ، مهما بدت كبيرة، فانها تقوم على اساسات وضعها السابقون بعطاء مماثل وتضحيات سخية.