التفاؤل مشروع والتشاؤم أيضاً، بعد كل نقطة تحول تاريخية في حياة البلدان والأمم. وحسن الظن مطلوب، والحذر واجب، بيد أن هناك نتائج وحقائق لابد من انتظارها؛ وعمّاذا سوف تسفر، فقد تفاءل كثيرون صبيحة يوم 14 تموز 1958. وتشاءم آخرون، بيد أن النتائج حولت العراق إلى مرتع للعصابات والزمر الخائنة وقطاع الطرق وأصحاب الأنفس الضعيفة؛ ما أدى إلى انحدار سريع ومريع في النمو الوطني على مستوياته كافه، لا سيما الوضع الأمني الذي اتسم بالغدر والطعن والدسائس والانقلابات وسفك الدماء.
أما الانحدار الثاني الذي تهلل له منْ شارك في مجزرته الشهيرة ليلة 16/ 17 تموز 1979، وتشاءم شعب بكامله من هذه البداية القاسية المؤلمة التي وضعت الاجرام شعاراً لها؛ فقد أحكم أصحاب السلطة قبضتهم بالرعب والتخوين والتجريم، مؤسسين جمهورية الخوف، وزج الأبرياء وغير الأبرياء بالمعتقلات والسجون، واضطهاد الشعب بالطاعة العمياء، وسوقهم إلى خدمة مخططاتهم الدنيئة، وتمادوا في استباحة الأعراض، وتحريض أفراد العائلة الواحدة ضد بعضهم، ووصل الحال بأن الزوجة تتجسس على زوجها وتخبر السلطة عنه، وقتل بعض الآباء أبنائم؛ كل هذا جرى بذريعة “لدواعٍ وطنية”، هذه السلطة أحالت بلد غني إلى بلد منهوك القوى، مديون بمليارات الدولارات، بعد حرب طاحنة وصفت بأنها أطول حرب في التاريخ الحديث، ثم غزوٍ نتيجة تصرف رجل أرعن، انتهى بهزيمة جارحة لكرامة جيش دافع بكل قوة وشجاعة وبسالة ثماني سنوات متتالية عن ايمانه ومعتقداته، وحافظ فيها على هيبة وطنه؛ هذه الحرب بهدلت شخصيته وأذلت كبريائه في عيون الأصدقاء قبل الأعداء، وعاد الجيش نصفه أسير ومعاق، والنصف الآخر حفاة، وأحالت هذه الهزيمة البلد إلى تراب ورمل تذروهما الرياح، فكان الحصار، وباعت العوائل مقتنيات ومحتويات وأثاث الدار؛ وبدأ النزوح والهجرة الجماعية، وأصبح شعب العراق لاجئ بامتياز!
وأما الانحدار الثالث، فقد بدأ صبيحة 9 نيسان 2003، إنه الاحتلال، وما أدراك ما الاحتلال! هذا يعني الاذلال، والحرمان، والخضوع لحكم المحتل، “الاستعمار الحديث القديم”، بحكم خسارة الحرب، وتسديد الحساب بنظام الضرائب طويلة الآمد، لنهاية نظام قائم وتسليمه لنظام جديد! نظام الاحتلال نظام شاحب، ليس له ملامح ولا سمات؛ نظام لصٍ جائع، نظام تحكمه الغريزة، نظام جاء لينهب الخيرات، ويسرق الممتلكات.
فلأي مدى استوعب الشعب ستراتيجية الأنظمة الحاكمة؟