كنت‭ ‬سأعود‭ ‬اليوم‭ ‬قبل‭ ‬الغد‭ ‬إلى‭ ‬مدينتي،لو‭ ‬توفرت‭ ‬مستشفى‭ ‬حكومي‭ ‬تعنى‭ ‬بمرضى‭ ‬السرطان،مثلما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الحال‭ ‬قبل‭ ‬تدميرها‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬تحريرها‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬عام‭ ‬2017‭ . ‬

هذه‭ ‬إجابتي‭ ‬على‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬يطرحه‭ ‬علي‭ ‬المعارف‭ ‬والأصدقاء‭.‬

ثم‭ ‬التزمُ‭ ‬الصمت‭ ‬برهة‭ ‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬استكمل‭ ‬إجابتي‭.‬

عام‭ ‬2004‭ ‬أقدم‭ ‬اسماعيل‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬نانا‭ ‬كلي،وهو‭ ‬أحد‭ ‬التجار‭ ‬الكورد‭ ‬في‭ ‬أربيل‭ ‬على‭ ‬خطوة‭ ‬انسانية‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬سمو‭ ‬أخلاقه‭ ‬ومنبته‭ ‬الأصيل‭ ‬وذلك‭ ‬بتقديم‭ ‬قصر‭ ‬كبير‭ ‬يملكه‭ ‬إلى‭ ‬سلطة‭ ‬اقليم‭ ‬كوردستان،كان‭ ‬قد‭ ‬شيده‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬واسعة‭ ‬توازي‭ ‬مساحة‭ ‬ملعب‭ ‬كرة‭ ‬قدم،‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬مستشفى‭ ‬خيري‭ ‬لمعالجة‭ ‬مرضى‭ ‬السرطان،‭ ‬ومنذ‭ ‬افتتاحه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬مايزال‭ ‬مستشفى‭” ‬نانا‭ ‬كلي‭” ‬يستقبل‭ ‬مئات‭ ‬المرضى‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭ ‬والأطفال،وبين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬يخضع‭ ‬للتوسعة‭ ‬والتطوير‭ ‬حتى‭ ‬اصبحت‭ ‬المستشفى‭ ‬تضم‭ ‬خمسة‭ ‬مباني‭ ‬كبيرة‭ .‬

لم‭ ‬يكتف‭ ‬هذا‭ ‬التاجر‭ ‬بالتبرع‭ ‬بالمبنى‭ ‬والأرض،بل‭ ‬يساهم‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬الأقليم‭ ‬بما‭ ‬يحتاجه‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬ومعدات‭ ‬وأدوية‭. ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الرواتب‭ ‬التي‭ ‬يتقاضاها‭ ‬الأطباء‭ ‬والممرضين‭ ‬والموظفين‭ ‬وعمال‭ ‬الخدمات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حكومة‭ ‬الاقليم،‭ ‬باعتبارهم‭ ‬موظفين‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬فقد‭ ‬خصص‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬النبيل‭ ‬مكافاة‭ ‬شهرية‭ ‬لجميع‭ ‬العاملين‭ .‬

من‭ ‬جانبها‭ ‬لم‭ ‬تبخل‭ ‬سلطات‭ ‬الأقليم‭ ‬وبدعم‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية،بتوفير‭ ‬الأدوية‭ ‬والعلاجات‭ ‬للمرضى‭ . ‬أراجع‭ ‬هذا‭ ‬المستشفى‭ ‬مع‭ ‬زوجتي‭ ‬منذ‭ ‬ان‭ ‬أُصيبت‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬المرفق‭ ‬الصحي‭ ‬موجودا،‭ ‬لأن‭ ‬كلفة‭ ‬العلاج‭ ‬والأدوية‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬الخاصة‭ ‬لامراض‭ ‬السرطان‭ ‬مرتفعة‭ ‬جدا‭ ‬لايستطيع‭ ‬تحملها‭ ‬الاّ‭ ‬الأغنياء‭. ‬بينما‭ ‬بفضل‭ ‬هذا‭ ‬التاجر‭ ‬الشريف‭ ‬استطاع‭ ‬آلاف‭ ‬المرضى‭ ‬الفقراء‭ ‬ان‭ ‬يتعالجوا‭ .‬

ما‭ ‬ينبغي‭ ‬الاشارة‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬مستوى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المرضى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المرفق‭ ‬الخيري،‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬والاحترام‭ ‬والرعاية،ولاوجود‭ ‬للرشاوى‭ ‬والإكراميات‭ ‬التي‭ ‬يضطر‭ ‬مرغما‭ ‬أن‭ ‬يدفعها‭ ‬أهل‭ ‬المرضى‭ ‬للعاملين،كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬مستشفيات‭ ‬العراق‭ ‬الحكومية‭ ‬والخاصة‭ ‬‭.‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الموصل‭ ‬هناك‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الأثرياء،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬يتعاون‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭ ‬ويعملوا‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مستشفى‭ ‬خيري‭ ‬خاص‭ ‬بالأمراض‭ ‬السرطانية،ومن‭ ‬ثم‭ ‬يتم‭ ‬تسليم‭ ‬إدارته‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬سيكون‭ ‬عليها‭ ‬واجب‭ ‬تنسيب‭ ‬أطباء‭ ‬وممرضين‭ ‬وعمال‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي‭. ‬معروف‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬الموصل‭ ‬ملتزمون‭ ‬دينيا‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬أغنياءها،

فمالذي‭ ‬يمنعهم‭ ‬من‭ ‬الاقدام‭ ‬على‭ ‬اطلاق‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الإنساني‭ ‬؟‭ .‬

لقد‭ ‬وصل‭ ‬جشع‭ ‬الطب‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬متوحشة،‭ ‬ولاغرابة‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬مافيات‭ ‬يقف‭ ‬خلفها‭ ‬أطباء‭ ‬ومستثمرون‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المستشفيات‭ ‬الخاصة،وهولاء‭ ‬لايترددون‭ ‬أبدا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬كل‭ ‬المعرقلات،أمام‭ ‬جهد‭ ‬الحكومة‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬حتى‭ ‬لايتم‭ ‬المباشرة‭ ‬بإعادة‭ ‬إعمار‭ ‬المستشفيات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬المستشفى‭ ‬الخاص‭ ‬بالامراض‭ ‬السرطانية‭. ‬لايخفى‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مراقب‭ ‬للحالة‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬مدى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أعداد‭ ‬المرضى‭ ‬المصابين‭ ‬بالسرطان،وأن‭ ‬الحالة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬لاتسمح‭ ‬لأغلبهم‭ ‬بالسفر‭ ‬لتلقي‭ ‬العلاج‭ ‬خارج‭ ‬العراق‭. ‬فيا‭ ‬أثرياء‭ ‬الموصل،ليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬لايكون‭ ‬بينكم‭ ‬رجل‭ ‬صالح،يحمل‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬الانسانية‭ ‬والقيم‭ ‬الدينية،‭ ‬فيُقدِم‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬؟‭ .‬

‭* ‬الصورة‭ ‬المرفقة‭ ‬لمبنى‭ ‬مستشفى‭”‬نانا‭ ‬كلي‭ “‬حيث‭ ‬أقف‭ ‬في‭ ‬حديقتها‭ ‬الواسعة،‭ ‬مطلع‭ ‬شتاء‭ ‬العام‭

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *