مثل كوارث المناخ التي لم يكترث العالم لقرع أجراس الإنذار لها في مؤتمرات دولية طالما خضعت لمزايدات وأمزجة الدول العملاقة في المشاركة والانسحاب، سنكون أمام مواجهة حقيقية مع معطيات الذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة والعمل كافة، وفي عالم الاستغلال والفساد والجريمة والمخدرات، وتلك من الهموم المزمنة والمفجعة في العراق.
ما استعداداتنا الرسمية والفعلية؟ وماذا تفعل وزارة التخطيط مثلا في معاينة ما يحتاجه البلد من نسبة مفيدة من الذكاء الاصطناعي وما لا يحتاجه من موجات لا تستأذن احداً في الاجتياح، لاسيما المجتمعات الضعيفة غير المحصنة في العقدين الأخيرين، كما حال العراق .
المسألة ليست محصورة في وزارة التخطيط، ولكن من الممكن ان تنطلق الخطة الموجهة منها ، ذلك انّ الامر يحتاج الى جهد الدولة، وهنا نحتاج الى برلمان غير مغشي عليه في حبائل الانتخابات والغنائم المقبلة وحكومة عزوم لا تهتم بالطفيليات حولها، هل يمتلك العراق مثل هذين الخيارين لكي يتعامل مع مهمة التعاطي مع الذكاء الاصطناعي ، تلك المهمة التي لن تقوم بها اية جهة أو دولة أو شركة بالنيابة عنا ؟
في السعودية، قبل يومين، جرى إقرار تأسيس مركز أبحاث الذكاء الاصطناعي كمؤسسة مستقلة إداريا وماليا ، تتولى متابعة التطور العالمي وتكون محطة تصفية للمعطيات والافرازات المختلطة والمشوشة في التعامل مع برامج الذكاء الاصطناعي، التي لا يزال المجتمع في كل مكان في العالم منقسماً بين مندفع ومتحمس للتأييد لكل جديد من دون ضوابط ، وبين متحفظين في حكومات وشركات لكي لا تغلب الموجة الجديدة الغامضة للتطور التكنولوجي النوعي السريع جهود الانسان في قيادة المجتمع .
يجب أن نتحرك في البلد، حتى لو خذلتنا الحكومات، التي نعرف « كم تركض أساساً”، فالجامعات يجب أن تتصدى للمهمة عبر إيراداتها، من خلال تأسيس مراكز أبحاث تكون مواكبة لتفاصيل الذكاء الاصطناعي واستهدافاته في الحياة، كما يمكن ان تتولى الهيئات التربوية والتدريسية التوعية العلمية إزاء هذا المنحى المفصلي التطوري النوعي الذي لم تعرفه البشرية من قبل.
لا يمكن أن نغلق الباب علينا ثم نقول لن نتعامل مع تكنولوجيا مشبوهة ومسيئة ومغرضة وأكبر من امكاناتنا، ذلك لأنّ هذه التكنولوجيا ذاتها لن تسمح لنا بهذه العزلة، كما انّ التعامل باقتدار مع التطور من خلال الاستعداد العلمي هو الأفضل لنا لكي نتطور، بعيدا عن منخورات المجتمع من نظريات دينية مقحمة ومتخلفة لفاسدين يكرسون الجهل لكي يستمروا في الاستغلال