عند الحديث عن النساء في الحياة السياسية العراقية ليس بالضرورة يكون القصد الإساءة من باب التشهير او التعريض بالشرف، بقدر ما يكون المقصود محاولة تسليط الضوء على شريحة لها خصوصيتها من ناحية التأثير في عملية صُنع القرار، ويشمل ذلك طبيعة المسارات التي تذهب باتجاهها الدولة.
وظهرت النسوية السياسية منذ وقت مبكر في العمل السياسي والحزبي، وربما يكون العراق من أوائل الدول التي حصلت فيه المرأة على مناصب قيادية، منها بدرجة وزير في حكومة عبد الكريم قاسم، وكان من نصيب الشيوعية د. نزيهة الدليمي، فضلاً عن قياديات أُخريات تولَّينَ مناصب إدارية داخل الاحزاب والمؤسسات الحكومية.
وازدهرت النسوية السياسية اكثر داخل تنظيمات حزب البعث بشكل لافت، وكانت منطلقات الحزب في تشجيع النساء على العمل السياسي المنظم آنذاك تندرج في إطار سعيه لتقليد اساليب الشيوعيين في بناء منظمات جماهيرية ساندة للحزب، وفي إطار منافسة الشيوعي العراقي وزحزحته عن الشارع.
وهو ما تمثل بتأسيس اتحاد نساء العراق لصاحبه حزب البعث، ليكون ضداً نوعياً يقابل رابطة المرأة العراقية لصاحبها الحزب الشيوعي، كذلك تأسيس الاتحاد العام لطلبة وشباب العراق ليكون منافساً لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية واتحاد الشبيبة.
وهكذاً صار للنساء دور في الحياة السياسية يتحركن من خلاله على نحو واسع، تحت يافطة (التقدمية)، كما كان يطلق عليها في حينه، او كوسيلة استعراض وكسب جماهيري، وبغض النظر اذا ما كان يعني (الكسب) استخدام اساليب الجذب للآخرين (الذكور) من خلال الاغراء، او التأثير الغرائزي، أو حتى العاطفي البريء.
ولا ينبغي أن يفوتنا ذكر ان الكثير من الرفيقات والمناضلات ارتبطن بمناضلين ورفاق خلال العمل السياسي والحزبي، وهو زواج قد لا يُعاب عليه من باب الشرع والمجتمع والقانون، ولكن في النهاية تبقى مجرد ارتباطات هدفها المصالح السياسية والحزبية.
وعموماً ظلت النسوية السياسية موجودة وفاعلة في الحقب العراقية الجمهورية، وظهر لها تواجد اكثر في العراق الجديد منذ بداية التأسيس، باعتبار ان التوجه العام كان داعماً لمشاركة النساء في الحياة السياسية، ولهذا بدأ الترسيخ لقاعدة (الكوتا)، التي تعني مشاركة النساء بنسبة 25% في أقل تقدير، وتم تثبيت هذه القاعدة في قانون إدارة الدولة، وصارت ماثلة فعلياً في مجلس الحكم، حتى باتت مادة دستورية ملزمة ينبغي الاخذ بها في انتخاب السلطة التشريعية.
وتم تطبيق صيغة الكوتا في العراق الجديد بناءً على الرؤية الامريكية، باعتبار ان الكوتا أصلاً من مخرجات الحياة السياسية الامريكية، لكونها ناجمة عن حركة الحقوق والحريات المدنية المرتبطة بالامريكان السود، وكان الهدف منها فسح المجال أمام الفئات المحرومة ليكون لها تمثيل في السلطة.
ولكن المقاصد البريئة من اعتماد الكوتا النسوية في العراق الجديد لم تتحقق بالشكل المطلوب، لكونها سرعان ما تحولت الى مدخل خلفي للمحسوبيات والمنسوبيات، فسح المجال لصعود القريبات والصديقات والزوجات وحتى العشيقات في بعض الحالات، وهو ما أفسد التجربة، خصوصاً بعد ان تحولت الكوتا النسوية في السلطة التنفيذية، ويتمثل ذلك بوزارة المرأة، الى وزارة عاطلة وفاشلة ووسيلة لنهب الاموال والحصول على الدرجات الوظيفية.
واستمر عنوان (حقوق المرأة) بوابة مفتوحة على (الكلاوات) بأشكالها كافة، منها ما يندرج ضمن جهود (دوائر تمكين المرأة) التي بات الرجال يشكلون العنصر الاغلب في إدارتها، وهي حالة تكشف عن حجم السخرية الحاصلة، علاوة على كون (دوائر تمكين المرأة) لا تجيد فعل أي شيء غير الإيفادات داخل وخارج العراق، حتى باتت هذه الدوائر عبارة عن وسيلة (سفر وسياحة) على حساب الدولة.
وفي الختام ..جاءت حديثاً (مفاهيم الجندر) لتشكل غطاءً آخر تستطيع من خلاله (نسوان الطبقة السياسية) الحصول على مكاسب وامتيازات، والكثير من الايفادات بجوازات سفر دبلوماسية، باعتبار ان (الجندر) الذي هو إطار عام لدعم الانواع الاجتماعية، تكون المرأة فيه على رأس هذه الانواع المستفيدة بالطبع، ولهذا نرى نسوان الطبقة السياسية يُدافعن باستماتة عن مفهوم الجندر، بغض النظر عن معانيه الجنسية، فهو بالنسبة لهن (دجاجة تبيض ذهباً).