فرحتُ كثيرا بزيارته ، شاب وجدتُ فيه ، نموذجا لمشروع ثقافي واعد ، عرفته قبل اعوام قليلة في احدى جمع المتنبي .. في زيارته التي تمت دون موعد ، حمل في حقيبته مجموعة من الكتب والاوراق ، وضع على مكتبي منها اربعة كتب ، قال انها من تأليفه ، ولاحظت تواريخ اصدارها ، فوجدت ثلاثة منها مطبوعة في السنة المنصرمة ، والرابع في شباط من السنة الحالية ، وقد فاجأني بإصدارته تلك .. لكني لم اشأ ازعاجه بملاحظتي ، وبقى انطباعي في سري ، فهوس الشباب ، لا يسمح بأبداء رأس معاكس !
طال مكوثه ، وطالت عبارات “الأنا” التي اسمعني اياها ، متجولا في اروقة الشعر والقصة والنقد الفني والاقتصاد ، وحمدت الله على صبري وتحملي ، حتى أذن الله بالفرج ، فودعني قائلا : آمل ان تستفيد من كتبي!
ضحكت في داخلي ..
ودارت اسابيع قليلة ، وإذا بهاتفي يرن ، دون ان يظهر اسم المتصل .. فتحت الهاتف .. كان المتحدث ذاته ، صاحب تلك الزيارة الثقيلة ، فبدأت الكلام مرحبا ، ففاجئني بصوت يعلوه الغرور ، لم اقرأ لك رأيا في الكتب التي اهديتك .. لم اتمالك نفسي ، فقلت انا مشغول ، ولم يحن الوقت لقراءة كتبك .. لم يعجبه قولي .. فقفل الخط دون كلمة … فأثلج قلبي بفعلته.
قاتل الله الغرور ، فهو يعبر عن سلوك الإنسان الذي يعكس في داخله الكبرياء في شكله المتضخم والمبالغة في الثقة بالنفس، فتراه يتصرف بفخر كبير ، بأوهام مرضية ويفخر بافتراضه مهماً للغاية دون وجود مبرر حقيقي لذلك ..
لقد نسى صاحبي ، الشاب ، ان الغرور هو انخداع الانسان بخدعة شيطانية ورأي خاطئ، كمن ينفق المال المغصوب في وجوه البر والاحسان، معتقداً بنفسه الصلاح، ومؤمّلاً للأجر والثواب، وهو مغرور مخدوع بذلك..
ان دلائل الفشل في التعامل مع الآخرين ثلاث: الغرور، التشبث بالرأي، والعناد ، وللغرور صور وألوان مختلفة باختلاف نزعات المغرورين وبواعث غرورهم، فمنهم المغتر بزخارف الدنيا ومباهجها الفاتنة، ومنهم المغتر بالعلم أو الزعامة، أو المال، أو بإصدار كتب او مجاميع ، لا يقرأها سواه ، ونحو ذلك من صور الغرور التي تدفع الإنسان الغبي إلى التنكر للحق، والبعد عن الاستقامة ، ناسيا إنّ كريم الأصلِ كالغصن كلّما ازداد من خير تواضع وانحنى.
الغرور هي الرمال المتحركة التي يغرق فيها المنطق..