العراق : مثلما كان للمتغيرات المؤثرة في سياستها الخارجية تجاه العراق دور في التاثير في اليات تطور السياسة الخارجية التركية تجاه العراق ، كذلك تلعب القضايا العراقية – لاسيما القضية الكردية وقضية المياه وقضية مدينة الموصل وكركوك النفطية ، كذلك العلاقات الاقتصادية التركية العراقية – دورا مهما في التاثير في السياسة الخارجية تجاه العراق ، فالقضية الكردية تمثل عبئا امنيا على السياسة الخارجية التركية تجاه العراق على المستوى الإقليمي والدولي ، وقد سعت تركيا للتخفيف من عبأ هذه القضية ، من خلال استغلال قضية المياه كورقة ضغط على الحكومة العراقية والاكراد بشكل خاص.
تعد المسالة الكردية من ابرز المشكلات التي تهدد امن وسلامة منطقة الشرق الأوسط، فالمسالة الكردية تعد مشكلة لها أسبابها الموضوعية ، فان العنصر الكردي في الشرق الأوسط لا يمكن تجاهله على خريطة المنطقة ، ولكنه في الوقت نفسه عنصر موزع ومقسم جغرافيا ومتنازع قبليا ، لذلك باتت المسالة الكردية واحدة من اخطر مشكلات الشرق الأوسط ، ويتوقع لها ان تستمر لوقت طويل في المستقبل .
ومن الناحية الأمنية هناك قضايا مشتركة بين البلدان تؤثر في خدمة استقرار او عدم استقرار الامن الدولي والإقليمي في هذه المنطقة الحيوية من العالم ، وفي مقدمة تلك القضايا المتعلقة بمشاكل الحدود والسياسية بين البلدين ، وفيما يخص العراق وتركيا فان هناك مشاكل ناجمة عن وجود قوى معارضة في اقاليمها مثلا ( حزب العمال الكردستاني ) التركي ، وتدخل القوات العسكرية التركية في شمال العراق فضلا عن يروز المطالبات التركية بين الحين والأخر حول الموصل وكركوك ، والموقف التركي الرسمي اتجاه نشوء إقليم كردستان في العراق واستمراره ، يرى الاتراك ان ما يسمى مستقبل العراق عموما ومستقبل تطورات القضية الكردية ، ينطوي على تهديد محتمل لسلامة وحدة التراب التركي ، وهكذا يتضح ان القضية الكردية قد ترسخت في صلب السياسات الاستراتيجية التركية .
ويعد الهاجس الأمني الدافع الرئيس لتركيا الى تحقيق اهداف استراتيجية تتمثل بالعمل الى تطوير علاقاتها مع ايران وسوريا ( قبل 2011 ) الى مستوى التحالف الفاعل بصدد وضع الاكراد ، وضرورة التنسيق الأمني ، وتطوير الاتفاقيات الأمنية ، التي ستركز على وضع كردستان العراق ، بمعنى ان تركيا تسعى الى إيجاد شبكة قوية من العلاقات ، ولا سيما مع ايران ، اذ لا تتمتع تركيا بالقدرة على الرد المباشر على الاخطار التي تتعرض لها مصالحها في شمال العراق ، وهي المنطقة الأقرب والأخطر على امنها بدون تنسيق اقليمي، وقد تحققت هذه الهواجس ، بعد ان كشف اكراد العراق عن توجهاتهم الاستراتيجية عبر الدور الذي قاموا به في الحرب الامريكية ضد العراق في العام 2003
بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عام 2002 قامت تركيا بدور ريادي ومحوري في محيطها الإقليمي والدولي ضمن مبدأ أساسي تقوم عليه سياسة تركيا الخارجية ، وهو جعل تركيا دولة مركز عن طريق خفض المشكلات مع دول الجوار الى نقطة الصفر ، وجعلها تتفاعل مع القضايا الإقليمية بشكل إيجابي ، ويحتل العراق بحكم موقعه الجغرافي المجاور لتركيا ، أهمية بالغة في السياسة التركية ، عكسها العديد من المواقف بين الطرفين والتي يمكن وصفها بالايجابية والحسنة ، على الرغم من وجود عوامل التوتر والاضطراب في هذه العلاقات التي تظهر بين الحين والأخر لتعكر صفوها ، الا ان حكومات الطرفين وعلى اختلاف مرجعيتهما الفكرية والأيديولوجية كانت حريصة إيجاد صيغ واتفاقات تحد من تاثير عوامل الاضطراب بين البلدين ، يضاف الى ما تقدم ان لكلا الدولتين ثقلها السياسي في منطقة الشرق الأوسط ، فالعراق بما يمتلكه من موقع جغرافي وثروات معدنية هائلة محط أطماع عدة قوى إقليمية ودولية ، وتركيا كونها تمثل قوة استراتيجية وحلقة ربط بين قارات العالم ، وكونها تمثل الذراع الشرقي لحلف الشمال الأطلسي وخط دفاع متقدم ضد الاتحاد السوفيتي ( سابقا ) ، وحليفا مهما للولايات المتحدة ، لا غنى عنه في تحقيق خططها في المنطقة ، جعل كلا الدولتين على تماس مباشر احداهما مع الأخرى ومع القضايا الإقليمية في المنطقة.