كلما مرّ الزمن وتوالت الأعوام ندرك أن الإسلام محمديُّ الوجود حسيني البقاء، وهي عبارة عميقة جدا ترتبط بحديث رسول الله الأعظم (صلی الله عليه وآله) وتعكس حال الترابط بينهما التي بيّنها الحديث الشريف: ((حسينٌ مني وأنا من حسين، أحبَّ اللهُ من أحبَّ حسينا)) فطريقهما واحد، ومشروعهما واحد، وقيامهما واحد، ونهضتهما واحدة، وهي لاتختص بزمنٍ دون زمن، ولا بقومٍ دون قوم، هي تقويمية مستمرة، تبحث عمّن يطبقها ويستفيد منها في بناء حياته وقيادة الأمة نحو تحقيق موازنةٍ فعلية، ووسطيةٍ واعتدالٍ، وتحقيق الاستقرار والتقدم والتطور والمواكبة مع الإيمان والحفاظ علی الهوية!
ونحن هنا؛ هل نشكر الإمام الحسين(عليه السلام) أو نشكو إليه؟ نشكو إليه حال المرأة؟
سنشكره أولا، نقول له: ( شكرا) لأنك جعلتَ السيدة زينب شريكتَكَ، ولأنك اصطحبتها معك، ولأنك أعطيتها هذا الحضور المهيب، وأنك أعطيتها الحرية لأداء تكليفها، لتتحدث وتناقش وتقود، وأنت ياسيدي، بذلك تسير علی خطی أبيك أمير المؤمنين مع السيدة الزهراء(عليها السلام) وخطی جدك رسول الله(صلی الله عليه وآله) مع السيدة خديجة(عليها السلام) والسيدة الزهراء(عليها السلام) وسائر النسوة في محيطه.
شكرا لك وشكرا لإمامنا السجاد، علي بن الحسين(عليه السلام) إذ مكّن السيدة زينب من الوقوف أمام القوم الظالمين وخطابهم وتقريعهم والدفاع عن دينها، والدفاع عن الرسالة، وعن الإمامة، والدفاع عن إمام زمانها!
لقد جعلتهم السيدة زينب ركيزةً أساسية من ركائز النهضة الحسينية، ومنحتموها فرصة الاستشراف المستقبلي، وشاء اللطف الإلهي أن يحقق استشرافها حين قالت:( فوالله، لاتمحو ذكرنا) وشاء المدد الإلهي أن تكون الأرض التي سالت الدماء الطاهرة فيها، هي الأرض عينها التي تحفظ ذكرهم متقدا، مختلفا عن غيره، مبذولا عليه النفس والمال والعيال!!
شكرا لكم؛ إذ وقفت السيدة زينب كجبل شامخ، تخطب بصوت هادر، يعلّم الأجيال أن المرأة لها منطق وحضور وهيبة تخرس الألسن!!
شكرا لكم، وأنتم تعلّمون الناس كيف يحترمون النساء، وكيف يقدمونهن، وكيف يمنحونهن المكانة الاجتماعية اللائقة بقوله تعالی:((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) فلولاكم؛ ماكان للمرأة صوت ولاحضور ولا مشاركة ولا قدرة ولا احترام!!
شكرا لكم يا أهل بيت النبوة!
وفي الوقت نفسه نحن نشكو إليكم، نشكو من الإفراط والتفريط الذي يرافق حياتنا كأسلوب!!
فبينما يقوي المد الذي يحارب هويتكم المرأةَ ويجعلها مستلبةَ الوعي، مستلبةً بقوةٍ وإصرار وجحودٍ، وهم يوفرون لها كل شيء، كل سبل الدعم المعنوي والمادي والمؤسساتي حتی تؤدي عملها المكلفةبه، والمؤمنة به!!!
يدعمونها لتكون غارقةً في التفريط، فهي مستعدة للتفريط بعاطفتها، للتفريط بطبيعتها، للتفريط بأسرتها، بهويتها، بروابطها الاجتماعية، بالمُثل والقيم، مستعدة للتفريط بضميرها!!
أما المرأة المسلمة التي تؤمن بكم ،و وتتمسك بطريقكم، وتعتز بهويتكم فهي غارقة، تحاول الخروج من الإفراط ولاجدوی!!
لن يقف الأمر علی حرمانها من الدعم بكل أشكاله، ولن يقف الأمر علی عدم قدرتها علی استحصال حقوقها، ولن يقف الأمر عند عدم تمكينها المؤسساتي، ولن يقف الأمر عند تهميشها وتجاهلها، ولن يقف الأمر عند عدم دعم الدولة لها؛ بل تعدی إلی الاستنكاف من صورتها، والاستنكاف من اسمها، والاستكثار عليها أن يكون لها صوت بما يتعلق بدينها وهويتها المحارَبة!!
نشكو إليك قوما يتنزهون علی الله تعالی، إذ خلق الله للمرأة وجها وكفين، تعبده وتتقرب إليه وهي مكشوفة الوجه والكفين في العبادات المفروضة كالحج والصلاة، بينما يری هولاء القوم أن وجهها عورة وكفيها عورة، فيأمروا بستر ما سمح الله به أن يظهر!!
فأيّ مستوی من التطرف وصلنا إليه؟ وأي ضياع بين الإفراط والتفريط وقعنا فيه؟!
حتی حين يناقشون حقوقها إعلاميا، يجعلون ذلك مبنيا علی وجهة نظر الرجل، فتجد المقدم رجلا، والضيوف رجالا!!
في العراق؛ بلد الحسين وزينب(عليهما السلام) وفي إعلامه الرسمي، تجد قسم البرامج الدينية بإدارة الرجال!! وكأن الدين للرجل دون المرأة!!
في العراق الذي يريدون أن يزرعوا فيه الفواحش عبر النوع الاجتماعي والشذوذ…الخ ،تجدهم يمكنون من تعمل في هذه الميادين ويحرمون من تعمل علی حفظ هويتها وفطرتها السليمة!!
نشكو إليك ياسيدي الحسين هذا الإفراط، نريد أن نلتحق بركبك وأن نربي أبناءنا وبناتنا تربيةً سليمة، ولكن مازلنا نحارب من أجل إثبات الذات! فذات المرأة في العراق مهزومة، محاصَرة، حيزها المطبخ والتضحية أو المشاركة النمطية التي يرسمها الآخر لها، ولايرسمها دين جدك المصطفی!!
المرأة المسلمة في العراق، تحاول إثبات ذاتها، وتحاول جاهدةً بناء جيل يعتد بهويته الإنسانية والإسلامية، لكنها تقاتل التفريط وماكنته العلمانية من جهة، وتحارب الإفراط وماكنته المتعصبة من جهة أخری!
شكونا إليكَ، وهناك أصوات نسوية كثيرة تشكو، منها المستسلم الراضي، ومنها من يحاول الصراخ بشكواه!!
شكونا إليك ومازلنا نحلم بكفٍّ وسطية توازن الحياة، كفٍّ تجعلنا نواكب العالم، لنخاطب الأجيال ونخاطب الإنسانية؛ أن دين محمد بن عبد الله، دين الإسلام؛ هو دين الاعتدل والوسطية، دين البناء والعمل، دين التحضر والتقدم!
وأخيرا، يا مولاي، هذه شكوانا وضعناها بين يديك، وهذا شكرنا لك، شكرنا للسيدة زينب، فلولاكم لقالوا لنا: إن الكلام حرامٌ كحرمة وجوهكم وأسمائكم وأصواتكم!
شكرا؛ لأنك تسمعنا من غير شروط!
شكرا؛ لتلك الأبوة….