قنوات اليوتيوب والفيسبوك وانستغرام في العالم الافتراضي تختلف في موادها عن القنوات الفضائية العادية، لاسيما المسجلة في البلدان بشكل واضح والمعروفة في ملكيتها ومرجعياتها وسياقاتها الاعلامية. في العالم الافتراضي الفسيح قنوات تكثف اللقاءات، منذ سنتين مع اشخاص يحملون صفة المحللين السياسيين والخبراء الاستراتيجيين، يتحدثون بثقة عالية وبكلمات قاطعة، ويوحون للمتلقين بأنهم لتوّهم خرجوا من اجتماع مغلق مع مستشار الامن القومي الأمريكي أو انهم غادروا قبل ساعة غرفة العمليات الخاصة في البنتاغون او كانوا طوال اليوم على الخط الساخن مع وزارات وأجهزة أمنية كبرى في العالم، وقد اطلعوا على خطط التغيير القادم في العراق ، واحياناً يقرنون سوريا مع العراق في سياق خريطة جديدة للتغيير و يبسطونها ، من دون ان يكون لديهم أي دليل او وثيقة سوى تقارير إعلامية عن تحركات الاسطول الخامس او عبور فرقاطة أمريكية او اجتماعات لزعماء عرب او وفود معينة تزور عواصم عربية معنية بتلك الخريطة الجديدة للشرق الاوسط بحسب ما يزعمون. واللافت ان جميعم يلتقون عند مقولة ان أمريكا ستقود التغيير المقبل في العراق والمنطقة بنفسها، في استناد منهم الى تجارب الولايات المتحدة قبل أكثر من عشرين عاما حين غيرت النظام السياسي في العراق، ويفوتهم ان النظام الجديد هو الذي كانت نتيجة ما قامت به الولايات المتحدة وليس أحدا سواها.
تلك المقابلات تحصد مشاهدات بعشرات الألوف أحيانا، وتجد تعليقات كثيرة على المواقع، وانّ هناك مَن يعيد الاستماع اليها أكثر من مرة طرباً بها، ويزيد على ذلك بنقلها وتوزيعها عبر التطبيقات المتاحة الى الأصدقاء وترويجها لأكبر عدد من الناس.
التحليلات المستندة الى معطيات ووقائع على الأرض مهمة لأنها تضيء مساحات غير مرئية كما انها قد تمنح السياسيين افقا غائبا عنهم، إذا كانوا معنيين بمتابعة ما يكتب ويقال، كما في بلدان الغرب. لكن في الحالة العراقية، تخضع التحليلات لتجاذبات سياسية وولاءات ومجاملات وتعبير رسائل وإطلاق اتهامات وادانات، وكل ذلك ليس له صلة بالمادة الاعلامية الاحترافية التي تتناول الحدث وما وراءه من احتمالات.
لو كان في حيازة أي شخص، مهما تعددت مصادره، ما لدى الدول من معلومات وخطط مقترنة بها، لاختلط الحابل بالنابل، ولكن الأوضاع الراكدة في دول الشرق الأوسط والمصحوبة بملفات ثقيلة تخص الفساد وحقوق الانسان والحريات تفتح الطريق لظهور تحليلات تتجاوز المنطق