ليس بغريب أن الأديب كائن عجيب بين نظرائه من بني الإنسان.
وسر ذاك العجب لا يفضحه أمر واحد بل إثنان، فأما أولاههما فلأن الأديب لا يجيد تفكراً إلا بصوت عال في العنان، وأما الأخرى فنسج لفظه نسج لا يجيد مثله لسان ثان، وسواء أنثراً ببديع ألوان لأفنان كان، أم كان شعراً برفيع أشجان لألحان، فذلك نسج متسيد على سائر الكلام والتبيان، بوجيز من خيوط ومترفع عن زبد المعاني. نسج قد أختص به قليل من أهل صنائع التبيان، وما كان نسج أديبنا “السوداني” إلا من خاصة القليل في روائع البنيان، فترى الأنام من أولي ألباب ومن عوام بدهان، يتمخترون على فرش علي السوداني، كتمختر سلطان على حصان في رحيب من جنان، رغم أن صديقي رهيف الحس علي السوداني، ما أتى بجديد لمن حوله من بني إنسان، فخطوات الحياة في الفلاة أو تحت ظلال بين أفنان، أو في القصر ذي البستان، أو حين العصر في الدكان، هي خطوات جليات معلومات متشابهات لدى كل ذي كبد رطبة وإنسان، وقد فطرتها إيادي الفاطر العزيز الرحمن. خطىً مكتوبات علينا نحن العوام الساكنون في عراء أو في مبان، ونحن نعلم غايات منتهاها ويعرف راياتها القاصي منا والداني.
تلك خطىً بعض منها يحتل فيحل برغوة مؤبدة تحت صحن صيوان للأذان، وكثير منها يتهدم فينعدم بغفوة ملبدة بلحن سهوان بنسيان. وإنما درب المزرعة درب عدل لاعوج فيه لشمائل ولا لأيمان، (فماذا بعد الحق إلا الضلال) ألا يا بني إنسان. أجل، ما أتى بجديد صاحبنا الأديب السوداني، لكن في هز همزة ذرفه وفي لمز غمزة طرفه يكمن سحر ثان.
أوليس ماقلت آنفاً يا شقيقي السوداني، هو قولاً يحاور الحق كصنوان، أو هو يجاور الحق كجيران، فأنبئني إذاً ألايا أيها السوداني، بصريح همزة من لسان، أو بتلميح غمزة بين خلان، فلا ينبئك مثل خبير في ميدان البنان والبيان. فأني لك قارئ يشهد لنسيج حرفك أنه نسج رهيف بان، ولمزيج ذرفك أنه مزج شريف دان. ذاك نسج ومزج لن يجيد مثله أديب ثان، حتى لو حلفت لذاك الأديب بغليظ قسم وبضمان.
مهلاً، من تهي الحالفة جهد أيمانها على ضمان بتوكيد وعنفوان؟
وهل من إمرأة غيرها يا سوداني؟ إنها يا صديقي؛ “المبرقعة قارئة الفنجان”، فتلك أمة يحج إليها ذو الشيبة وكذا الشبان، وكذلك يحج إليها كل من له عينان ولسان وشفتان، وأعني ب(كل) فيما ههنا: معاشر النسوان، فلا بد للساني من تورية إن إقترب من شواطئ النسوان، لخشيتي من الغرق في الحرمان، حرمان من رؤية ومداعبة ما أخلفت من ولدان، ويالخوفي من النفي خارج الدار وربما خارج الأوطان.
ألم تر -يا صديقي- الى الحشد من ذي الشيبة والشاب ومن النسوان، وكيف يسكر بكلمات قارئة الفنجان، سكراً بخنس وبأنس بل بإدمان. ويكأن كلمات ذيك الأمة المبرقعة لديهم تبتيل زبر أو ترتيل قرآن، وكذبت مواثيق قارئة الفنجان، كذبت كلما حلفت لأديب بعهد وضمان، فما لمطاردات السوداني نظير من نسيج ثان. وتقبل خالص التحيات من أخيك علي السوداني (معذرةً علي الجنابي عنيت).