النذل هو من يمارس الإذلال من هم دونه من الناس حين يكون له سطوة عليهم وهو غير مصدق إنه أصبح مسؤولا في مؤسسة، أو تسلط على الناس برتبة، أو مال، أو قوة قاهرة تجبر بها على من سواه لأنه وضيع وخسيس وذليل في نفسه أمام من هم أعلى رتبة منه، فكأنه ينتقم ممن هم دونه، أو الذين رمى بهم الحظ العاثر ليكون أمرهم بين يديه، والقرار إليه فيتصرف بعجرفة وغرور وتكبر، ويحاول تكريس كل شيء لخدمته، وقد راقبت ذلك في سلوك الحكام والمسؤولين ومن معهم ومن هم في حواشيهم الذين يفعلون مايروق لهم ويتسلون بعذابات الناس، وقد ورد في المعاجم في تعريف الأنذال إنهم أهل المهانة والنذالة وتعني ( السفالة وضياع الأخلاق والمباديء والتراجع عن الأقوال والأفعال والعهود والوعود بتعمد وبلا خجل ولا إستحياء، ويتصف حامل هذه الصفة بالتخاذل والتردد، فلا صفة حسنة في سلوكه).
الأنذال حين يتسلطون على الناس يسومونهم سوء العذاب، ويحرمونهم من حقوقهم ويتكبرون عليهم ولايرعون فيهم ذمة ويتصرفون كما لو أن السماء فوضت لهم أمر الخلائق فلا أمر فوق أمرهم، ولاصوت يعلو فوق صوتهم، ويستحلون المحارم كيف شاءوا، فلايردعهم رادع، ويسنون قوانينهم الخاصة بهم التي يفرضونها على العامة، ويحملونهم على الخضوع لتلك القوانين حتى مع ماتسببه لهم من أذى ومهانة وتعب، والغريب إن الشعوب ترضخ للأنذال وتأتمر بهم وتمجدهم وتقدسهم وهم بشر مثلهم، وتراهم يمجدونهم ويخلدونهم ويستعبدونهم فإذا غابوا إختلفوا فيهم بين مادح منتفع وقادح مستكين عانى منهم الويلات والأهوال، وحين تمضي الأزمنة تجد التاريخ الذي يكتبه الأنذال الأقوياء يقرأه الجميع ويقره كثير منهم ولايختلفون فيه بالرغم من إن الصراع مستمر بين ضحايا الأنذال والمنتفعين منهم، والأنذال في زمننا هذا كثر سواء كانوا من الكبار، أم من أتباعهم الذين يستحوذ عليهم الشيطان ولايرون حقا لغيرهم، ويرون مايصدر عنهم الحق المطلق.
يهرب الناس من البلدان التي يحكمها الأنذال، وهولاء الأنذال ينتجون أشباههم ومحبيهم والمنتفعين منهم فيتحول الأمر الى أبوة وبنوة فيتكون مجتمع كبير له عاداته وتقاليده ونذالاته الخاصة به والتي يعيشها ويتسلط بها على الآخرين وحين يعتاشون على السلطة لايفسحون مجالا لغيرهم فيحاول الطيبون والباحثون عن الكرامة الهروب واللجوء الى مواضع أخرى وقد ورد مايشير الى ذلك في القران في وصف من يستكين للظالمين ويكون أداة بأيديهم على المستضعفين في قوله تعالى ( قال فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قال ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) فالهروب لايعني أن يتخلص المستضعف من الظالمين بالهروب منهم، وإنما ينسحب الأمر الى من يكون ظالما في فريق الظالم، ثم يعتذر إنه إنما كان مستضعفا في الأرض مع علمنا إن الآية نزلت في قوم لم يهاجروا الى المدينة المنورة، وكانوا مؤمنين بالنبوة والرسالة، ومكثوا في مكة وأجبرهم المشركون أن يشاركوا في معركة بدر ضد المسلمين.