لو أنك فهمت معنى الحرية لما أسأت اليها ولما عبثت بها ، ذلك لأن الحرية لها حدود فان تجاوزتها فقد عبثت بقدسيتها وأسأت الى كينونتها .
ان حق الحرية حق مشروع لا يمكن لأحد أن ينتزعه منك الا اذا كان ظالما أو مستبدا ، لكن هذه الحرية يجب أن تكون تحت سلطة النظام لا تحت سلطة القوة .. اذ لا جدوى من حرية مقيدة بأغلال ، انها حينئذ ستفقد مقوماتها .
ان مساحة الحرية التي لك تعني ألا تسيء الى مساحة الحرية التي لغيرك لأنك حينئذ تعبث بالحرية التي بين يديك وتخطأ الخطأ الفادح الذي فيه جرح لسلوك وقواعد المجتمع .
كل من له رؤية سليمة يدرك أن الحرية كالهواء ومن دونها تختنق أنفاسنا ، وكل من يريد أن يكتم هذه الأنفاس فهو مستبد ظالم .
يرى البعض أنهم أحرار فيما يفعلون وهو جهل وأي جهل ! ذلك لأن المعادلة تكون قد انحرفت عن مسارها ، فها أنت تريد أن تكسب كل شيء في وقت يخسر الآخرون كل شيء ، وهو اجحاف للحق العام .
أما الذين يرون في الحرية أنها العبث ليس غير، فهم على ضلال ، غرتهم أنفسهم بما تيسر لهم من مغانم آنية ، وهم بذلك يسلكون السلوك الذي يقودهم الى الهاوية .
أنت تسيء الى جارك الاساءة البالغة حينما تزعم أنك حر في بيتك فتؤذي جارك حينما يعلو صوتك ومعه ضجيج لا ينقطع ليل نهار .
أنت تسيء الى الحرية حينما تفعل أفعالا طائشة في الطريق ليس فيها بقية من حياء رغم استياء الناس من سلوكك هذا ، وكل امرأة تنقاد الى نزواتها وسط مجتمع له قيمه ومثله ثم تراها تقول أنها تمارس حريتها الشخصية فليس ذلك الا عبثا ووأدا للحرية .
ان مفهوم الحرية مفهوم لا يدركه الا من كانت له بصيرة ورؤية واضحة ، متى تبدأ ومتى تتوقف .. انها ليست مجرد شعار نريد به المنفعة الذاتية ، اذ الحرية أسمى من ذلك بكثير .
انه يجب أن يرافق الحرية التزام أخلاقي وأدبي ، أما من غير هذا الألتزام فهو العبث بعينه .
أترانا تكون لنا حرية الراي والفكر بمعتقدات فاسدة !
أم ترانا نكون تحت رقابة الدولة لتمحو كل كلمة حرة تهدينا سواء السبيل !
ما هكذا خلقت الحرية .. لا لن تكون مقيدة ولن تكون مطلقة .
ان أحلى ما في الحرية هو أن تسلك سلوكا معتدلا قويما من غير أن يقيدك أحد بقيد ثقيل ، حينها فحسب ترى الشمس مشرقة ومعها ربيع دائم .