تراثنا الأدبي لا سيما منه باب الشعر ليس له مثيل في أمم الأرض ، ذلك أن الشعر العربي علامة فارقة في سماء مرصعة بالنجوم .
والشعر الجاهلي وحده يشغل حيزا واسعا في هذا المضمار وله القدح المعلى في جزالته وبلاغته وتألقه .
وأهم ما يلفت النظر أن أغلب الشعراء الجاهليين كانوا أميين لا يحسنون القراءة والكتابة ، فهم في الفطرة شعراء يرتجلون الشعر بكافة أغراضه بما فيه من غزل وفخر وحماسة ورثاء وهجاء .. هم كانوا مدرسة ننهل منهم ما يروي ظمأنا من جزالة شعر وحسن معانيه .
فهذه المعلقات – الغنية عن التعريف –برزت فيها خصائص الشعر الجاهلي بوضوح حتى غدت أفضل الآثار الأدبية .. وهي قصائد نفيسة لها قيمة كبيرة بلغت الذروة في اللغة وفي الخيال والفكر وفي الموسيقى ونضج التجربة وأصالة التعبير .
وكان للشاعر المقام السامي عند العرب الجاهليين فهو الناطق الرسمي باسم القبيلة وهو لسانها والمقدم فيها .
يقول صاحب العقد الفريد ( وقد بلغ كلف العرب بالشعر وتفضيلها له أن عمدت الى سبع قصائد تخيرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة وعلقتها بين أستار الكعبة ).
وها هو عنترة ينشد قائلا :
هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحا دار عبلة وأسلمي
وهذا امرؤ القيس ينشد :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
أفاطم مهلا بعض هذ التدلل وان كنت قد أزمعت صرمي فأهلي
وهذا طرفة بن العبد ينشد :
لخولة أطلال ببرقة تهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقوفا بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجلد
وهذا عمرو بن كلثوم ينشد :
ألا هبي بصحنك فأصبحينا ولا تبقي خمور الأندرينا
مشعشعة كأن الحص فيها اذا ما الماء خالطها سخينا
وهذ لبيد بن أبي ربيعة ينشد :
عفت الديار كلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها
فمدافع الريان عري رسمها خلقا كما ضمن الوحي سلامها
وهذا زهير بن أبي سلمى ينشد :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحومانة الدراج فالمتثلم
ودار لها بالرقمتين كأنها مراجع وشم في نواشر معصم
وهذا الحارث بن حلزة ينشد :
آذنتنا ببنيها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء
بعد عهد لنا ببرقة شماء فأدنى ديارها الخلصاء
أية لغة ينطق بها هؤلاء الشعراء الفحول ! أترانا نفهمها ! وأين نحن الآن في لغتنا منها !