تعد تجربة العراق البرلمانية مع النواب المستقلين حديثة لم تتوطن بعد، بل ومازالت ثمارها غير ناضجة، وما تمخض عنها خلال الدورات الخمس السابقة لا يشكل معالم نجاح ضاربة في الفضاء الديمقراطي في العراق. كما ان قبول المواطنين بمخرجات هذه التجربة لم يصل الى درجة التفاعل والاعتراف بالأهمية.

لكن الدورة الحالية لمجلس النواب شهدت استثناءات لافتة، مع الاعتراف بان النواب الذين دخلوا المجلس او خاضوا الانتخابات تحت مظلة الاحزاب التقليدية، ثم سرعان ما انشقوا عنها لأسباب تتعلق بهم، لا يجوز اعتبارهم مستقلين أو يصح ادراجهم ضمن هذا المسمى، اذ من النادر ان يتخلى احدهم عن فكره الايديولوجي، أو يتنازل عن قناعات أمضى في تسويقها للرأي العام، حيناً من الدهر.

وفي اطار هذه الجدلية لفت نظري برلماني شاب مستقل، اجرت قناة الشرقية نيوز (لقاء خاص) معه، استوقفني فيه بعض طروحاته وسمات مقنعة جداً في شخصيته وثقافته العامة، فقد بدا النائب ناظم الشبلي، واثقاً من نفسه لا يهاب الحوارات التلفزيونية، برغم سيل الاسئلة والمداخلات المحرجة التي امطرها به الاعلامي البارع سيف علي. وللمرة الاولى منذ جولة الانتخابات البرلمانية عام 2005، أجد نائباً تنطبق عليه تماماً، صفة الاستقلالية في الطرح والثبات في الرأي والوسطية والاعتدال في تسويق الدور الذي يضطلع به. فلطالما رأينا برلمانيين يتحدثون وكأنهم منزلين من السماء أو يرون أنفسهم، متوهمين، انهم الأفضل على الاطلاق، وما عداهم صفر على اليمين ويتنكرون لوجودهم في اطار عملية سياسية تتسم بالشراكة ويشكلون احد اركانها، بايجابياتها ان وجدت وسلبياتها ان كثرت. بعبارة اخرى ان الشبلي يفهم طبيعة وظيفته والمكانة التي حصل عليها بفضل آليات العملية السياسية ومنها انتخابات البرلمان. ووجدت ان الشبلي لا يسجل الايجابيات لنفسه، بينما يحمّل غيره الاخفاقات والتحديات، رغم ان الحقيقة هي ان الجميع يبحرون في مركب واحد. كما وجدته في هذا اللقاء التلفزيوني، متأملاً اكثر منه صامتاً، ومحللاً اكثر منه مسوغاً، ومقنعاً برغم حداثة تجربته البرلمانية وتواضع خبراته السياسية، حيث تكمن صعوبة دور النائب المستقل مثله، في انه يصوغ آراءً غير جاهزة، ولا معدة من فريق حزبي ضاغط أو كتلة أو تيار سياسي مناور أو طائفي، بل هو مطالب بتجسيد مواقفه برمتها، من خلال منطق منصف غير متحيّز أو ملغوم.

ان تجربة نضوج البرلمانين المستقلين ومضيهم في شوط تعزيز قدرة التعامل مع القضايا المصيرية والملفات الحساسة داخل البرلمان، بحاجة الى جهد شعبي رديف داعم واداء برلماني معزز يجعل من خيار الناخبين، في المستقبل، يتجه الى اختيار المرشحين المستقلين، بارادة مرجحة من شأنها ان تنهي سلطة النواب المستهلكين الذين استنفدوا ادواتهم، وأهدروا امكانياتهم في تحقيق تطور لصالح الوطن والمواطنين والعملية السياسية، ولعل ذلك لا يتم الا بمشاركة شعبية واسعة وقناعة بأهمية اختيار المرشحين المستقلين وبقدراتهم على احداث التغيير المنشود.

لقد اقنعني النائب ناظم الشبلي باستقلاله الناجز، وشجعني على الوقوف الى جانبه من أجل برلمان عراقي ينهي سطوة الاحزاب المتنفذة واصحاب المصالح الانانية والمسميات الطائفية. وبعبارة ان الأمل يساورني في امكانية إنتقال البرلمان من مساحة مغلقة الى فضاء مفتوح يتسع للجميع، ولاسيما للشباب والمستقلين منهم.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *