كثيراً ما يرجِع النّاس – في حديثِهم اليوميّ – التزاماتهُم الأخلاقيّة للدّين والخوف من الله ، باعتبار ذلك تقوى وفضيلة، ولا يدركون أنّهم بذلك يُقرّون بأنّهم بلا أخلاق . إنّ من لا يَسرقُ خوفاً من الله كمن لا يسرقُ خوفا من الشّرطة ، فكلاهما لِصٌّ لم يمنعهُ من السّرقةِ سوى الخوف من العقاب .
الأخلاقُ الحقيقيةُ ما كانت مستقلّة عن أيّ دين أو إيديولوجيا ، وما كانت غاية في ذاتِها ، وليست وسيلة لجَنيِ مكاسب شخصية ، أو درء عقاب، سواء دنيويّاً كان العقابُ أم أُخرويّاً ، الأخلاق الحقيقية مصدرُها الضّمير واحترام الذّات ، ومرجعيّتها المعرفة والحِكمة .
إنّ ربطً الأخلاقِ بالدين يجعلُها ضرباً من النّفاق من جهة ، وعُرضةً للسّقوطٍ إن فُقِدَ الإيمان من جهةّ ثانية، ويصبحُ بعد ذلك كلّ شيء مُباح كما قال ( إيفان كارامازوف ) أحدَ أبطالِ رواية ” الإخوةُ كارامازوف ” التي تناول فيها (دوستويفسكي ) الأخلاق وارتباطِها بالإيمانِ حتى بدا فيلسوفاً أكثرُ منه روائيّاً .
لكنّ ( فولتير ) رأى أنّ الإيمانَ ضروريّ كحامٍ للأخلاق ، كي لا يسرِقه خادِمه ، وكي لا تضعُ له طبّاخته السّم في الأكل حسب قوله، وهو بذلك يرمي إلى أنّ الغالبية العُظمى من النّاس لا يحول دون سقُوطِهم الأخلاقيّ وارتكابِهم للشّرور ، سوى الطّمع في الثواب والخوف من العقابِ الأخرويّ .
على المرءِ أن يضعَ نفسه حيث يريد، ويختارَ لنفسه، إمّا أخلاقُ الكبار القائمة على المعرفةِ والضّمير وتقدير الذات، وإمّا أخلاق الصّغار القائمة على الخوفِ والرّجاء، التّرهيب والتّرغيب . لذا لا يمكن تأسيسَ الأخلاقِ ومعنى الحياة، الا بالضّمير ، وبالتالي فأزمةُ المعنى التي يعيشها الإنسانُ الحاليّ هي أزمة غياب عمق المعرفة بالضّمير وعمله الأخلاقيّ في معيشه اليومي .