يأتي شهر رمضان الكريم حاملاً معه أعظم ليلة، ليلة القدر، ليلة اختص الله بها أمة محمد بالفضل والثواب ليغفر لمن أعطاها حقها من العبادة ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ليلة فيها تتنزل الملائكة من السماء إلى الأرض ليسلموا علي المؤمنين.
إن الحديث عن عظمة ليالي القدر والتأثيرات الروحية والمعنوية المرجوة من إحياء هذه الليالي تفوق كل الأبجدية، يأمر الله بأن يعم الأمن والأمان والسكينة والسلام في جميع بقاع الأرض، وفي جميع نفوس العباد. وهي ليلة يعم فيها السلام الروحي والنفسي علي المؤمنين، بما يحمل من رحمة ومغفرة وبركة ورضوان.
ويطلق السلام على التحية والمدحة، السلام معناه الخير والبركة، والوقف على “سَلام” على معنى تنزُّل الملائكة بالسلام، ليلة القدر هي “سلام حتى مطلع الفجر” لأن الملائكة تنزل إلى الأرض لتنفيذ أمر الخير للمسلمين الذين صاموا رمضان وقاموا ليلة القدر.. ليلة القدر هي ليلة الحب واللطف والسلام، فالسلام هو عنوانها وهويتها، سلام تتبادله الملائكة فيما بينها، وسلام على المؤمنين العاملين بطاعة الله الراغبين بقربه ورضاه، هذا السلام الذي يستمر حتى طلوع الفجر، ويفوق كل مواهب هذه الليلة..
إن ليلة القدر لا نظير لها في الإسلام بركة وأجرا وقدرا، وهكذا ينبغي أن تكون عند المسلم لا نظير لها اجتهادا وإنابة وعملا. ففي الحديث “إنَّ هذا الشهرَ قد حضركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرِمها فقد حُرِمَ الخيرَ كلَّه، ولايُحرَمَ خيرُها إلا محروم”.. التعبير عن مِنَحِ ليلة القدر وفيوضاتها بكلمة “السلام”، إشارةً إلى ما تمثله الكلمة في قيم الإسلام وأهدافه وغاياته، فالإسلام رسالة رحمة وسلام للناس جميعا، لكنه ليس السلام القائمة على هضم حقوق الآخرين وتزييف الحقائق، إنما هو السلام الذي يأخذ على يد المعتدين، وينصف المظلومين، ويمنع الجور أن يتفشى في عالمنا.. ليلة القدر هي ليلة السلام الذي تنعم فيه البشرية بالأمان، فتتفرغ للعمل والإبداع، وفعل الخير للناس جميعا، فسلامها سلام لكل الناس، كما أن ما نزل فيها من قرآن فيه موعظة تصل الناس وشفاء لهم إن هم أقبلوا عليه، وانصاعوا لأوامره ونواهيه، فإذا آمنوا به وقدروه حق قدره فإنه سينالهم ما ينال المؤمنين به من هداية ورحمة.
إن الله تعالى أطلق على هذه الليلة إنّها ليلة السّلام، وذلك ليحرّك فينا الشعور بالحب والموّدة للناس وللحياة، لنعيش سلاماً مع الله من خلال طاعته وحسن عبادته، ونعيش سلاماً مع أنفسنا من خلال خضوعنا لعبودية الله تعالى، وسلاماً مع الناس لنحقّق الاستقرار والسكينة والطمأنينة.. ليلة القدر، ليلة مباركة يكفي بها قدرا أن الله جل شأنه أنزل فيها خير كتبه، وأفضل شرائع دينه، يقول الله تعالى فيها: “إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر”. سلام يستمر حتى الفجر ليبدأ الإنسان يوما جديدا بكيان جديد، وليصبح إنسانا آخر صاغته الليلة الجليلة بعد أن غمرته بجمالها وجلالها.