عندما نطرق اللغة واللغة التركيبية؛ فالمتحكم في الجملة هي الظاهرة التركيبية والتي من خلالها يتم استبدال المعاني، وعملية الاستبدال لها علاقة بالدلالة المعرفية من جهة والدلالة الرمزية من جهة أخرى، وأما النقل الاستعاري، ومنه الاستعارة الضمنية أيضا، ويتآخى معها التشبيه والتشبيه الضمني في الجملة المركبة فلهم الأهمية في تواجد المعاني وانزياح الكلمات المباشرة عن معناها الأصلي؛ فلو أخذنا التركيب والذي شخصه القزويني في الإيضاح : وتركيب الاستعارة يحمل معنيين اثنين أو دلالة مزدوجة: دلالة حرفية وهي كاذبة ودلالة مجازية وهي المقصود بأسلوب التشبيه.
ولكن جلّ مايهمنا من خلال المنظور الذي نعتمده هو اللامحدود في العمل التركيبي للجملة، لكي نستطيع أن نضع أصابعنا على تأويل الجمل وكيفية القبض على الحركة الدلالية من خلال زمنية الأفعال أولا، وحركة الأفعال من خلال انتقالاتها وتموضعها ثانيا؛ ويكون للرمزية العمل والدمج بين هذه الجملة المركبة حيث أنها تمتلك المؤثرات حتى تلك الرمزية الغامضة والتي تحتاج إلى عمل وجهد أكبر لفكّ الرموز والدخول إلى الأسباب النصّية ومدى التغلغل بين الجمل المتواصلة.
نبحر في بعض نصوص الشاعرة العراقية نضال مشكور، وهي ضمن المنظور الذهني ومدى الاهتمام بالعملية التنشيطية للذهن في عملية الانتباه والإدراك والاستيعاب والذكر، وتقودنا هذه الأنشطة إلى صياغات تركيبية للنصّ الحديث، ضمن موضوع الاستعارة والاستبدال، أي أننا في الدائرة الرمزية أيضا، وفي موضوع الاستدلال الذي لايفارق الجمل الشعرية المتواصلة.
في اللحظة الشعرية
ألامس البحر والسماء
أشقّ زرقتهما بعصا الومض
لتأخذني
إلى عالم أبيض!

أنا لا أبكي
بل الأشجار تقرؤني
فتغصّ محاجرها بالصمغ

من مجموعة شعرية : رقصات على حافة الومض – نضال مشكور
طبيعة الاستعارة التي اعتمدتها الشاعرة العراقية نضال مشكور ذات علاقة بالبناء النصّي، حيث أن الومضة كان سبيلها والعمل ضمن المنظور البنيوي، أي أن الاستعارة بنيوية بالدرجة الأولى، ولكن وفي نفس الوقت حالات الاستبدال التي اعتمدتها الشاعرة؛ كانت ضمن تصوراتها التخييلية، والنصّ إذا أفرغناه من الخيال والتخييل فقد توازنه الشعري، أي يصبح كأي نصّ محكي يعتمد اللغة العادية والتي من الممكن استخدامها بشكلها اليومي، وتكون الخصوصية الشعرية فاقدة للوعي الشعري.
في اللحظة الشعرية + ألامس البحر والسماء + أشقّ زرقتهما بعصا الومض + لتأخذني + إلى عالم أبيض!
أنا لا أبكي + بل الأشجار تقرؤني + فتغصّ محاجرها بالصمغ
عدة استعارات تعتمدها الشاعرة نضال مشكور في مقاطعها الشعرية، وتعتبر هذه الاستعارات دالة على الأشياء وإن كانت من خلال التخييل الذاتي أو من خلال التصورات التي وظفتها كترجمة حتمية في الجمل الشعرية المتواصلة؛ فعندما أرادت أن تذكر لحظة الكتابة، استعارت اللحظة الشعرية، وهي حالة زمنية دخلت في التأليف والخلق النصّي، لذلك وجلّ مانلاحظه بأنّ الشاعرة تتواصل مع لحظاتها الزمنية من خلال التقليلية، فلسمة البحر والسماء، لحظتان زمنيتان تقليلتان، بينما عصا الومض يأخذها إلى عالم، وقد نسبت هذا العالم إلى مجموعة البياض، أي الخالي من الحقد والأنانية، العالم الخام والمشاعي الذي لايعرف سوى المصداقية. هذه الرمزية التي اعتمدتها من خلال بعض الكلمات الرامزة تقودنا إلى تشكيلات سياقية جديدة يمكنها أن تتفاعل مع قيمة من العلاقات الجديدة، وهو الخلق بعينه عندما يعتمد الجديد في البناء النصّي.
أنا لا أبكي = أبكي كالأشجار، فبكاء الأشجار ( الصمغ )؛ حالة التشبيه التي ظهرت في ومضتها المستعارة، حالة واضحة وذات أسلوب شيق، وذلك لتأثير المقطع على المتلقي كصورة شعرية حادة. وهكذا تتناسب الأشياء من خلال التشبيه ضمن نظرية الاستعارة التي وظفتها الشاعرة العراقية نضال مشكور.
….

جزء من مادة مطولة لكتاب قبعة اللامحدود..


..

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *