بينما كان الشارع العراقي ينتظر انتهاء مهلة الأربعين يوماً التي أعطاها زعيم الكتلة الصدرية مقتدى الصدر لقوى الإطار التنسيقي من أجل تشكيل الحكومة، فوجئ الجميع بإعلان التيار الصدري عن مبادرة تستهدف حل الأزمة السياسية قبل انتهاء المدة المعلنة.كما سارع الإطار التنسيقي إلى استباق مبادرة الصدر بطرح مبادرة أخرى من أجل قطع الطريق على مبادرة زعيم الكتلة الصدرية ليبقى السؤال: إلى أي مدى قد تنجح إحدى المبادرتين في حل الأزمة السياسية ومعالجة الانسداد السياسي الذي يعطل تشكيل الحكومة؟
مبادرة الصدر.. الرسائل والأسباب
سبق مبادرةَ زعيم الكتلة الصدرية إصدار بيان شديد اللهجة في 28 أبريل مُوقع من حسن العذاري، رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان، وأحمد المطيري رئيس الهيئة السياسية للتيار. ونفى البيان، ما تداولته بعض وسائل الإعلام عن وجود اتفاق مع الإطار التنسيقي بشأن تشكيل الحكومة، مشدداً في الوقت نفسه على تماسك التحالف الثلاثي “إنقاذ وطن”.أما على مستوى المبادرة نفسها، فكان واضحاً إبراز الصدر متانة التحالف الثلاثي حين حرص في بداية المبادرة على الإشارة إلى أنها مبادرة تحالف “إنقاذ وطن” المكون من الكتلة الصدرية، تحالف السيادة، الحزب الديمقراطي الكردستاني، وليست مبادرة التيار الصدري فحسب.
كما استخدمت مبادرة الصدر تعبير “التحالف الأكبر” لتؤكد مرة أخرى أن تحالف إنقاذ وطن هو الكتلة النيابية الأكثر عدداً التي يحق لها تشكيل الحكومة وليس طرفاً سياسياً آخر.وتضمنت المبادرة رسالة مُبطنة تمثلت في تذييلها بتاريخ 27 رمضان، رغم طرحها في عيد الفطر، ليشير التيار الصدري إلى أنه استبق الإطار التتنسيقي الذي طرح مبادرته قبل مبادرة الصدر بيوم، خاصة أن كلا المبادرتين تناولت موضوعاً رئيسياً هو إناطة مهمة تشكيل الحكومة بالمستقلين.
وخلصت المبادرة إلى:
1. دعوة المستقلين إلى الالتحاق بالكتلة النيابية الأكثر عدداً (إنقاذ وطن).
2. تشكيل حكومة مستقلين سوف تنال ثقة ودعم كتلة تحالف إنقاذ وطن.
3. لن يكون التيار الصدري جزءاً من الحكومة.
4. دعوة أطراف من الإطار التنسيقي، قالت عنهم “من الذين نحسن بهم الظن”، إلى التحالف مع التيار الصدري ودعم المباردة.
ويتضح مما خلصت إليه المبادرة أنها تتعاطى مع المستقلين بوصفهم جزءاً من تحالف الأغلبية الوطنية التي ستقع على عاتقها مهمة تشكيل الحكومة.
مبادرة الإطار التنسيقي.. ارتجال وتناقضات
في المقابل، حاول الإطار التنسيقي على عجالة تقديم مبادرته لاستباق مبادرة الصدر، ولعل تذييل المبادرة بتاريخ 3 أبريل الماضي، ثم تصحيحه لاحقاً بعد الجدل الذي أثاره التاريخ، يوضح التعجل في طرح المبادرة.
كما اتسمت المبادرة بمغالطات عديدة لعل من بينها أن المبادرة – على حد وصف البيان – انطلقت من “المسؤولية الشرعية والأخلاقية”، في حين أن الأزمة سياسية دستورية ولا علاقة لها بالمسؤولية الشرعية.

وتحدثت المبادرة عن المدد الدستورية، وهو الأمر الذي سقط أمام الخروقات الدستورية المستمرة، بالإضافة إلى أن دعوة البيان إلى الحفاظ على حق “المكون الأكبر” في تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عدداً يمثل استخداماً طائفياً يتناقض مع نصوص الدستور التي لم تشر إلى هوية رئيس الوزراء الطائفية أو الكتلة النيابية الأكثر عدداً. فضلاً عن ذلك، فإن مطالبة المبادرة بإعادة النظر في الرئاسات الثلاث بما فيها منصب رئيس البرلمان هي بمثابة عودة للمربع الأول، إذ إنه جرى انتخاب النائب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان بالفعل، وأيدت إجراءات الانتخاب المحكمة الاتحادية، وبالتالي فهي محاولة نحو تعقيد الأزمة بدلاً من حلها.وتضمنت التناقضات مطالبة المبادرة قوى المعارضة التي ستمتنع عن المشاركة في الحكومة إلى عدم تعطيل جلسات المجلس، وهي مطالبة غريبة لأن قوى الإطار التنسيقي نفسها تمارس عملية التعطيل بعدم حضورها جلسات نصاب انتخاب رئيس الجمهورية.وقد دعت المبادرة المستقلين إلى تقديم مرشح منهم لرئاسة الوزراء، على أن يدعم من قبل جميع الكتل الممثلة للمكون الأكبر والمُشكلة للكتلة النيابية الأكثر عدداً (الكتلة الشيعية).
وماذا بعد؟
أمهلت مبادرة الصدر المستقلين 15 يوماً من أجل الانضمام إلى التحالف الأكبر “إنقاذ وطن” من أجل تشكيل حكومة أغلبية وطنية (سياسية) يقودها المستقلون بأنفسهم.لكن هناك صعوبات عملية هي بمثابة عقبة كؤود أمام تحقق هذا السيناريو، من بينها أن المستقلين ليسوا كتلة صماء واحدة بل هم مجموعة من الأفراد المختلفين في الاتجاه والتوجه وبعضهم حسم أمره مسبقاً في الذهاب مع هذا الطرف السياسي أو ذاك.
ولا يخفى أيضاً على المراقبين أن بعضاً منهم قد رشح نفسه كمستقل لكن تحت غطاء أو دعم حزب أو تحالف سياسي وبالتالي فهو ليس له من الاستقلال سوى الاسم ولذا فإن عدد هؤلاء المستقلين الفعليين هو أقل مما دعى له الصدر والذي قدرهم وفق المبادرة بأنهم لا يقلون عن 40 نائباً.
خيارات الصدر
تشير مصادر مقربة من زعيم الكتلة الصدرية إلى أنه يخطط للذهاب نحو خيارات أخرى في حالة فشل مبادرته مع المستقلين، ليس من بينها التوافقية، ومن بين هذه الخيارات البحث في بطون النصوص عن تجاوز عقبة نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في البرلمان، ليكون من بين هذه الحلول:
1. الإبقاء على رئيس الجمهورية وحكومة مصطفى الكاظمي والتصويت عليها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب (165) عضواً.
2. الإبقاء على الكاظمي مع تغيير واسع في الوزارات.
3. دفع رئيس الوزراء الكاظمي إلى الاستقالة وتشكيل حكومة جديدة، وهى خيارات لا تتطلب سوى أغلبية مطلقة (165) عضواً، وهو ما يملكه تحالف إنقاذ وطن إذ لديه (173) نائباً.
4. التفكير بحل البرلمان، وهو خيار يتطلب الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء البرلمان (165) نائباً.
خلاصة القول تتمثل في أن المبادرتين لم تسفرا حتى الآن عن حل للأزمة، وأن أمل الوصول إلى حل وسط يجمع المبادرتين باعتبار أن كلتيهما استهدفت المستقلين بدأ في التراجع، نظراً لاختلاف مدخل التعاطي بينهما، وبالتالي فإن استمرار حالة الانسداد السياسي هي الأكثر احتمالاً، لا سيما مع إصرار الصدر على المضي بفكرة الأغلبية الوطنية مقابل إصرار الإطار التنسيقي على حكومة توافقية وهو ما يدفع بنا إلى توقع تصاعد حدة الاستقطاب والوصول إلى مرحلة حافة الهاوية.

قبل aktub falah

يعتقد واحد على "العراق.. هل ينجح سباق المبادرات في إنهاء الأزمة السياسية؟ “الكاتبة نيرة النعيمي” "

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *