السردية اليهودية الصهيونية تستند إلى ركيزتين أساسيتين: السلطة المطلقة والثأر الذي لا يعرف حدوداً. يعتقد اليهود أنهم “شعب الله المختار”، ويرون في هذا الاختيار الإلهي ترخيصاً بالسيادة على البشرية. لكن هذا الاعتقاد يتجاوز حدود الدين ليستخدم كأداة لتقسيم البشر إلى طبقتين: طبقة النبلاء اليهودية التي تمتلك الحق في الحكم والسيطرة، وطبقة العبيد من غير اليهود الذين يجب أن يخدموا تلك النخبة. هذا الاعتقاد تعمق بفعل التاريخ، حيث ادعوا أنهم عانوا من الاضطهاد في مصر تحت حكم الفراعنة، وفي بابل حيث تم أسرهم مرتين. هذه الحوادث التاريخية ولّدت لديهم حقداً عميقاً تجاه شعبي النيل والفرات، مدفوعين بفكرة الانتقام من هذه المناطق والشعوب.
إن فكرة الثأر، التي ترسخت في نفوسهم نتيجة الشتات والنكبات، أصبحت دافعاً قوياً للسعي وراء “حقهم التاريخي” كما يرونه. قادة الصهيونية مثل نتنياهو يعبرون عن هذا النهج العدائي في تصريحاتهم، حيث يرون غير اليهود كأدوات لخدمة المشروع الصهيوني، كما وصفهم نتنياهو بعبارات مهينة مثل “حيوانات”. هذه الرؤية العدائية تتضح بشكل أكبر في النصوص الدينية التي يعتمدون عليها. حسب ما ورد في (سفر التثنية الإصحاح 20)، إذا ذهب بنو إسرائيل لمحاربة مدينة بعيدة عن أرضهم، يتوجب عليهم أولاً عرض السلام على تلك المدينة. لكن هذا السلام هو سلام الخضوع، حيث تصبح المدينة، في حال قبولها، خاضعة للعبودية، وإذا رفضت، يتم حصارها وإخضاعها بالقوة. يُقتل جميع الرجال، وتستعبد النساء والأطفال وتؤخذ ممتلكاتهم كغنائم حرب (سفر التثنية 20: 10-14).
هذا النهج الوحشي لا يتوقف عند المدن البعيدة، بل يمتد إلى المدن الكنعانية التي يرونها جزءاً من “حقهم الإلهي”. وفقاً لما ورد في (سفر التثنية 20: 16-18)، يجب إبادة كل شيء في هذه المدن: الرجال، النساء، الأطفال، وحتى البهائم. الهدف من هذا التدمير الشامل هو تطهير الأرض من كل ما هو غير يهودي، وقطع الطريق أمام أي تأثيرات وثنية قد تغوي بني إسرائيل بالابتعاد عن إلههم. هذه النصوص تكشف عن مشروع توسعي لا يتسم بالرحمة ولا بالعدالة، بل هو إبادة ممنهجة تسعى لتحقيق سيطرة كاملة على المنطقة.
السردية اليهودية الصهيونية تتجاوز الأبعاد السياسية التقليدية، فهي ليست مجرد توسع جغرافي أو بحث عن الموارد. إنها مشروع ديني مبني على نصوص توراتية تسعى للسيطرة من النيل إلى الفرات، حيث تُعتبر هذه السيطرة حقاً إلهياً لهم. العقيدة التي تقف خلف هذا المشروع هي عقيدة توسعية تقوم على إبادة الشعوب وإخضاعهم بالقوة، وليس مجرد احتلال أرض. وعلينا أن نعي أن هذه العقيدة ليست مجرد طموح سياسي محدود، بل هي تهديد وجودي لشعوب المنطقة بأكملها. يجب علينا أن ندرك بعمق خطر هذا المشروع علينا، لأنه يستهدف مستقبلنا وأرضنا وحريتنا. إن التصدي لهذه الأفكار والوقوف أمام هذا المشروع ليس فقط ضرورة سياسية أو عسكرية، بل هو معركة من أجل البقاء في مواجهة عقيدة لا تعرف الرحمة ولا تتوقف إلا عندما تحقق سيطرتها الكاملة.