كان انطباعي العام ان فضائية ( الفرات ) تهتم بالسياسة والطروحات الاسلامية اكثر من اهتمامها بالفنون وقضايا الابداع  ، لكن هذا الانطباع ، تغير بعد مشاهدتي لبعض برامجها المبتكرة ، ذات الافكار الجديدة ، والتقنية التلفازية الحديثة ،  من بينها برنامج ( سوالف عراقية ) الذي دأبت القناة على بثه في رمضان المنصرم .. كانت حلقة مخصصة لرثاء دور السينما في العراق ، بعد صدور حكم الاعدام عليها  بسبب الرؤى السوداء للفن السابع ، ومنجزاته الفلمية الرائعة التي تربت عليها اجيال عراقية ، منذ بدايات القرن المنصرم ، حين كانت  معظم دور السينما أماكن راقية للترفيه والثقافة .
استضاف البرنامج ، بحوار حضاري اسعدني ، السيد مأمون الشيخلي ، وهو نجل رائد من رواد الجيل السينمائي العراقي  ، واعني به  السيد ” صالح الشيخلي” الذي كان مقر الاستديو الخاص به في شارع الرشيد ايام عزه ، وعلى يديه خرجت افلام عراقية عديدة  الى النور بعد قيامه بعمليات الصوت والمونتاج  ، بإمكانات واجهزة متواضعة ، لكن بحرفية مكتسبة ، وشخصيا حضرتُ مرات عديدة تصوير مشاهد لأفلام على سطح ذلك الاستديو بعد وضع ديكورات مناسبة .
وبحرقة ألمتني كثيرا ، استمعتُ الى حقائق عايشها الاخ مأمون ،  وهو احد اثنين من فنيي اجهزة العرض السينمائي  في العراق، حيث كان سابقاً  يقوم بجولات مكوكية بين المحافظات لتصليح عطل في مكائن عرض هذه الدار السينمائية اوتلك ، كما اختص لاحقا باستثمار بعض دور السينما ببغداد ، مستفيدا من خبرته واطلاعه وتجاربه .. لقد كشف هذا الرجل الغيور على أرث فني عراقي ،  عن المقبرة التي ضمت أشلاء دور السينما ، بالقول ان محافظة نينوى  وحدها كان فيها 21 دارا للعرض وفي بغداد 52 دارا وعشرات في المحافظات ، بل ان بعض الاقضية كانت تمتلك دور عرض صيفية .. كل ذلك انتهى الى ( خبر كان ) عدا صالات عرض في بعض المولات ذات الكراسي المحدودة ، واسعارها العالية ،  والسب هو النظرة القاصرة التي ينظر فيها المسؤولون الى السينما .. ناسين ان السينما اماكن ثقافية ، وبالإمكان رؤية انتشار دور العرض السينمائي في دول الجوار كإيران وتركيا والاردن ..
العراق كان الاول في المنطقة بمستوى عمرانية دور السينما  ورقيها ، والان اصبحت مخازن  لأدوات احتياطية واخشاب ودهون ، وبعضها اندثرت بفعل فاعل .. اين سينمات مثل : الخيام ، غرناطة ، النصر ، اطلس ، سميرأميس والنجوم وغيرها .
شكرا لفضائية ” الفرات ” التي سلطت الضوء على معلم حضاري راق ، ساده الظلام ..!

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *