بالتأكيد هناك تصحر يضرب العراق وهو ليس بالجديد بل يمتد بجذوره في أعماق السنين. لعبت التغييرات المناخية العالمية  دورها المدمر في تشويه الحياة على الأرض. السباق العالمي نحو الثروة وراء كل ما يتعرض له الكوكب. تتحمل الدول الصناعية الكبرى وهي في سباقها التنافسي المحموم من أجل الإستحواذ على سوق الإستهلاك العالمي الوزر الأكبر على ما يحدث وهو ما  ينذر بكارثة بيئية قد تدفع البشرية الى الهلاك. فيما يخص العراق نحن أمام مفارقة غريبة. فلقد تكاتفت الظروف المناخية العالمية مع إهمال حكومي مزمن لمسؤولياتها في وضع الستراتيجيات الملائمة لتدارك الأخطار المصيرية التي وصلنا اليها الآن وهو إهمال يكاد يكون متعمداً أو لا أبالياً أو بسبب الجهل الذي ساد إدارة المرافق الوطنية وبسبب الجهلة الذين تبوأوا مواقع غير مؤهلين لها وبسبب إنعدام روح  الإنتماء للوطن لدي قسم لا يستهان به من المنخرطين في النشاط السياسي ممن كان همهم الأول والأخير ولا يزال تحقيق منافعهم الشخصية ولتذهب البلاد ومن يسكن فيها الى الجحيم.  كل هذا مع إندفاعة شرسة من المواطن العراقي الفرد نفسه في المساهمة بتخريب بيئته الوطنية من خلال إهماله المتعمد للمساحات الخضراء والقيام بتجريفها لأغراض تجارية نفعية بتشجيع ضمني من الجهات المعنية التي وقفت متفرجة على عمله التخريبي و لم تبادر يوماً الى تفعيل القوانين والأنظمة والتعليمات  التي تمنع تحويل الأراضي الزراعية لإستخدامات أخرى. إن مظاهر التصحر في البيئة العراقية وصلت الى مرحلتها المنذرة ومالم تتحرك الجهات المسؤولة بسرعة لتدارك الأمر فإننا مقبلون على كارثة محققة. هل ستتحرك هذه الجهات مثلاً لا حصراً على حكومات منابع المياه التي يعتمد عليها العراق وتمارس أوراق الضغط الكثيرة التي بيدها وأهمها ورقة الضغط التجارية التي تقول أن عشرات المليارات من الدولارات هي قيمة البضائع التي يستوردها هذا البلد سنوياً من تلك البلدان؟ لا تبدو في الأفق أي بارقة أمل في حدوث هذا. لماذا؟
تصحر الروح
كما تصحرت البيئة العراقية، تصحرت أيضاً، مع الأسف، الروح العراقية. أرجوا ألا يكون هذا الكلام صادماً لكن هذه هي الحقيقة. فمنذ عام الإحتلال الأسود وهناك تحولات مأساوية تتوالى على العراق وتحفر فيه وفي أسس شخصية المواطن، الموظف وغير الموظف على حد سواء. أليس تحولاً عميقاً حدث في هذه الشخصية عندما لم يعد السياسي يخجل من أن يكون فاسداً؟
وعندما يطلب الموظف من المواطن الذي يراجعه رشوة بدون أن يرف له جفن الحياء؟  وعندما يغش التاجر في سنداته وقوائم بضائعه  ولا يرى ضيراً في هذا بل يعتبره شطارة على الدولة؟ وعندما يفتي رجل قائلاً أن نهب أموال الدولة المدفونة تحت الأرض حلال؟ لماذا هي حلال؟
هكذا. أفليس طبيعياً بعد هذا أن تتصحر روح المواطن العادي الذي لا يجد ثمن رغيف الخبز؟ وأن يتصحر قلب وعقل وضمير أي شاب أو شابة عندما يمد يده الى جيبه يتمنى أن تخرج بعشرة ألاف دينار فإذا بها تخرج صفراً؟ أليس طبيعياً أن تتصحر روحهم وهم يرون رأي العين ويلمسون لمس اليد ملايين بل مليارات الدولارات من أموالهم تنهب وتهرب الى بلدان الجنسية الثانية لمعظم من يتصدرون العمل السياسي الذي عاد لا ينفك عن التجاري والمصرفي والتسليحي وما الى ذلك؟  أليس من الطبيعي  بعد هذا أن أن تطرأ تحولات جوهرية على هذه الشخصية تفقده أصالتها وتدفع به الى الإنحراف والتصحر والعنف والقسوة؟

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *