على طريقة، كل شيء يسير بالعكس في البلد، ومن الصعب تعديل مسار الامر المعوج، نرى انّ المعادلة معكوسة في علاقة الشعب مع مجلس النواب.
لقد أصغى العراقيون طويلا للنواب في هرجهم ومرجهم وضجيجهم وخطبهم لمناسبة أو من دون مناسبة، طوال سنوات مديدة.
وسمعنا العجبَ العُجاب من النواب عبر مؤتمرات صحافية رسمية أو في لقاءات تلفزيونية واذاعية فردية.
كان أغلب النوّاب يتحدثون الى الشعب وكأنهم مندوبو أفكار ورؤى شعب آخر لا نعرفه.
العراقي كان يأمل ان تنتقل أفكاره ورؤاه ومقترحاته وطموحاته في تحسين الحياة وتعزيز المجتمع الى النواب الذين يقومون بدورهم في مناقشتها واستخلاص التشريعات والقوانين أو التعليمات والاستشارات منها، وهذا هو الاتجاه الصحيح للعلاقة المفترضة، وليس أن يملي النائب على اسماع العراقي ما عجنهُ وخبزه رئيس حزبه وصاحب نعمته الذي جاء به الى هذا المجلس، لنسمع أفكاراً لا علاقة لها بهموم الناس ومعاناتهم، بل انّ المشاكل الحقيقية لا تعرض أساساً ولا أحد يتحدث بها، وخاصة تلك التي تتعلق بالسلم الاجتماعي والتغييب القسري وفساد الحيتان الكبيرة وسوى ذلك الكثير.
هناك لجان تعمل في البرلمان وتقرأ مسودات قوانين وتجادل الحكومة فيما لها وما عليها، لكنها كلها مشاريع دون السقف السياسي الحقيقي الذي ينبغي ان يكون للبلد على طريق تغيير شامل وبنّاء، وليس من خلال معاندات ومناكفات حزبية وسياسية بين طرفين أو بين أربعة اطراف، فيما يبدو البلد معطلاً بإمكاناته ومحجوراً في خانة المصالح والنيات المبيتة، وهذا النهج ليس جديدا، وإنما هو من افرازات العملية السياسية منذ أن انبثقت منها أول حكومة وحتى اليوم .
لابدَّ من وضع شروط وآلية ناجزة وفاعلة لمحاسبة رؤساء اللجان في البرلمان، واخضاعهم للاستدعاء والمناقشة المكشوفة كما تحاسب السلطة التنفيذية من خلال استدعاء الوزراء. لقد شهدنا لجاناً في الدورات المختلفة للبرلمان تهرف بما لا تعرف، من دون رقيب ولا حسيب، ومن التوقف عن أسباب عدم انجاز مسودات قوانين واهمال بعضها عن قصد، وكان معظم أعضائها غير جدير بالعضوية، وانّ الاعمال موكلة لنائب أو اثنين والآخرون مجرد أرقام توافق وتبصم.
ليس لديّ اعتراض على انتخاب فلان او علان لرئاسة لجنة برلمانية، ولكن السياق الصحيح هو الحساب الدقيق والمقارن بين الحقل والبيدر، وليست الأمور سائبة، كما كانت في اغلب الأحايين. جزء من التقصير هو اختيار مستشارين للرئاسات الثلاث غير مؤهلين، وانّ انشغالاتهم تنصب على ترضية الرؤساء بما لا يثير امامهم المشاكل لعبور فتراتهم الدستورية، في حين انّ العراق هو قطعة صافية من المشاكل، وليس قطعة من كوكب اليابان مثلاً