كان ابن الرومي إنساناً تعيس الحظ، وشاعراً مشؤوماً يتطيَّر من أيِّ شي يقابله. وكان غاضباً على دنياه، حقوداً على الناس، يلاحقه النحس في كل مكان، من حظه الأعمى إلى جدّه العاثر.
وابن الرومي أهجى شعراء زمانه. هجاؤه مُقذع، ولسانه سليط، وسخريته لاذعة. ما مدح أحداً إلا عاد وهجاه، فإذا لم يجد أحداً يهجوه فإنه يهجو نفسه. ولم تسلم من هجائه حتى الأشجار الجميلة والعصافير الطائرة في السماء، فتربَّص به الناس ووضعوا له السمَّ وقتلوه!.
ولكثرة مصائبه وأهواله شاعت بين الناس لعنة ابن الرومي. فهذا الشاعر مات أولاده الثلاثة وزوجته ووالده وأخوه، وأسرته جميعاً، وكانت له ضيعة لم يبارك له الله فيها ولا في غلَّتها، و دار غصبتها منه امرأة قبيحة مثله حتى كاد يفقد عقله!.
والأدباء يكرهون الكتابة عن سيرته وشعره ويخافون أن تنزل بهم فاجعة.. فكل من كتب عن ابن الرومي أصيب ببلاء، أو جاءه عذاب، أو حلَّت عليه اللعنة!.
وتحدَّاهم عباس محمود العقاد فكتب واحداً من أشهر كتبه: “ابن الرومي حياته من شعره” لكنه لم يكمل الفصل الأخير حتى دخل السجن!.
وعندما انتهى أديبنا الساخر ابراهيم عبد القادر المازني من كتابة مقالات عن ابن الرومي أصيب بكسر في ساقه. وشرح الشيخ شريف ديوان شعره فأحيل على التقاعد.. أمَّا صاحب المكتبة التي طبعت مختارات من شعره فأصيب بمرض عضال!.
وحدث أغرب من هذا بكثير.. ففي العام 1945 استقال وزير المعارف عبد الرزاق السنهوري في يوم موافقته على طبع ديوان ابن الرومي، وجاء من بعده الوزير علي أيوب فقرر طبع الديوان من جديد فاستقالت الوزارة المصرية فى ذلك اليوم أيضاً، ثم أعاد الوزير الثالث مرسي بدر إجراءات طبع الديوان فقدَّمت الوزارة استقالتها!.
وعندما نشر كامل الكيلاني مختارات من شعره وأصدرها في كتاب فإنه أصيب بالروماتيزم وتوفي ولده بحادث مريع!.
وابن الرومي مات في يوم 13 تموز كما تنقل الأخبار. والغريب أن أستاذنا الدكتور علي الوردي كانت وفاته هو الآخر في يوم 13 تموز.. والوردي من مواليد العام 1913، ومرّت ذكراه المئوية في العام 2013 على طريقة سعيد أبي النحس في “المتشائل” رواية إميل حبيبي!
وكثير من الناس يتشائمون من الرقم 13 لأسطورة تربط هذا الرقم بالعشاء الأخير للسيّد المسيح. يُقال إن المدعوين على المائدة كان عددهم اثني عشر مدعواً عدا السيّد المسيح عليه السلام!.
وفي سنة 1913 وُلِدَ مع الوردي هؤلاء: أبو الحسن الندوي، وألبير كامو، وروجيه غارودي، وعبد الحميد جودة السحَّار، والروائي الحالم تحت شجرة اللبلاب محمد عبد الحليم عبد الله، والشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود، الذي استشهد في معركة بطولكرم بعدما حمل روحه على راحته وألقى بها في مهاوي الردى وكان ذلك يوم 13 تموز أيضاً.
وكان العقاد يعاند الآخرين فيقول: إنه يتفائل بهذا الرقم. فهو يسكن في بيت يحمل رقم 13، وهاتفه يبدأ بالرقم 13، والمفارقة أن وفاته كانت في يوم 13 بالتمام.. وإذا كان المثل العربي يقول: “أشْأَم من غراب البَيْن” فإن العقاد كان يضع على مكتبه تمثالاً لهذا الغراب، ويبتسم للآخرين قائلاً: إنه بشارة خير!.
فأين الخير من هذا الغراب؟.. أعوذ بالله من لعنة ابن الرومي ومن هذا الغراب!.