المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، في مداخلتها امام مجلس الامن الدولي، تشبه مَن يمسك مُجسّماً خشبياً كبيراً لخارطة العراق، خرج لتوّه من ورشة النجّار الماهر ، وتنفضه بقوه لتسقط منه نشارة الخشب، ومن ثمّ ليبدو المُجسّم واضحاً بدقة.
ما قالته بلاسخارت، وهو نص منشور في وثائق الأمم المتحدة ومتاح في هذه الصحيفة أيضاً، يؤكد عدم وجود اي شعور بالمسؤولية أزاء الوضع الكارثي للبلاد لدى القيادات السياسية من دون استثناء، فهي لم تستثنِ أحداً في كلامها.
دخلت بلاسخارت في تفاصيل تمثل مرتكزات ومفاصل الازمات في البلد، من دون ان تشير الى نقاط متاحة في أفق بغداد للحل، بالرغم من انها دعت السياسيين لإيجاد الحلول لإنقاذ البلاد.
حين كنت أصغي الى حديث بلاسخارت شعرت انني استمع للمرة الأولى وصفا دقيقا للعراق لم اسمعه من قبل، بالرغم من انني تناول ذات التفاصيل عبر أكثر من خمسة آلاف مقال في هذه الزاوية في خلال تسع عشرة سنة.
هل يوجد مقياس لدى شخص او جهة، لقياس ردة فعل أي مسؤول او زعيم بالعراق وهو يرى صورة بلاده بعد تسع عشرة سنة من قيادة الوضع الجديد للبلاد، يجري عرضها بهذا الشكل أمام مجلس الأمن ومن ثمّ على طاولة كل العالم الذي اشتركت أكثر من ثلاثين دولة منه في الجهد العسكري لحرب الاحتلال الأمريكي من أجل تحقيق التغيير الذي باتت نتائجه على هذه الصورة المأساوية القاتمة في مواجهة الجميع؟
لا احد يجهل الحقائق التي ذكرتها بلاسخارت في كلمتها، بل تعرف الولايات المتحدة وايران وتركيا وبقية دول الجوار وكذلك دول مجلس الامن وكل عاصمة ما هو اكثر من ذلك بكثير، وفضلا عن هذا، يعرف حكّام العراق المشكلة التي هم في داخلها او التي تحيط بهم ، لكن لا أحد يحرك ساكناً، ولا أحد يعلم الى متى سيبقى العراق مصلوباً على لائحة الانتظار، وكم جيلا سيستهلك حتى يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر؟