مهر عبد الوهاب الملوح نصه ب”انتظارات”.جمع عمل على تنكيره ضمانا لكثافة محموله وطلبا لتعميمه دون التخصيص.ومرد التعميم جم المهام المنوطة به وفيض الرؤى المضطرمة منشدة للخلاص حتى تعيد تشكيل العالم من حولها.
ان كثافة الرؤى رهينة بحث الشاعر عن ذاته مطلقة؛مطلقة الكون ؛مطلقة الفعل .وأدى بحثه إلى الضرب والسياحة في مراقي الطبيعة متحركة عناصرها وثابتة؛عالية وخفيضة وعلة لأسباب الحياة فيها ومعلولة باجرام الانسان في حقها”جرح في رئة الهواء” .
لقد حدد الشاعر رحاب حركته بدقة متناهية وشرع في وضع خارطة طريق لإعادة تشكيل العالم رؤياويا منطلقا من الجزء الثابت في الطبيعة وصولا إلى المتحرك فيها. ففي أولى
خطواته صادف “شجرة”:”تنتظرني شجرة أراقص ظلالها في النهار …”.لقد ٱثر الشاعر الشجرة حتى يقف وقوفها في وجه الاعاصير وعيا منه بأن إعادة البناء ليست معاول الهدم.واختارها ليستظل بفيئها ليظل وجوده .انه متى التحم بأفنانها وجذعها وجذرها غنم وأغنم.هذه الشجرة ذات الوحام حمالة البرازخ اضطرته إلى أن يحرسها أثناء النهار واناء الليل من “الحطابين/المحتطبين”لصوص الحياة من الأجنة .انه الحرص على عودة الانسان إلى حضنه فرارا من عالم كلاعالم ؛عقيم محاصر بعطونة الموت ونتانة الاوبئة منبعثة من “الجهات الست”
وتستمر الرؤى من الشجر إلى الحجر.؛الى الصلابة تعضد الشموخ من أجل نسيج حيوي يغتصب الموت المتربص بالإنسان والفنان. وإذا كان الحجر عند “الشعراء الفاشلين “صنو الجمود ؛فهو عنده دفق حياة يحسن الانصات إلى نبضه:”حجر أربت على قلبه واصغي لدقاته”.
ويصغي بوجع إلى شكواه مما لحق الهواء من اجرام اليد البشرية وغدرها كشفته استعارة في رقة الهواء قبل ان تطاله وحشية الانسان”جرح في رئة الهواء”.ومما يؤكد رهافة السمع سرعة الاستجابة إلى استغاثة الحضن والهروع إلى إيقاف النزيف بفعل عنيف ينضح غيرة وحمية:”أدس” نشرا للفرح بديلا عن الجرح.ومامن سبيل حتى تستعيد الطبيعة بسمتها إلا بالبراءة وبلحظة حنين إنساني إلى الطفولة المتحللة من كل الأثقال .وكان الشاعر كدأبه مدركا لوعورة الطريق فاستعان عليه بأن جمع الانسان إلى الفنان .انسان يكدح وفنان يصدح:”أدس فيه قهقهات الصبيان ثم أرتقه باغنية عتيقة نسيها الناس”.وفي هذا السطر الأخير مركب نعتي به عزم على العودة إلى البدايات ؛الى طهورية الزمن الأجمل طفولة وانشودة.
يشهد النص نسقا تصاعديا في مستوى توزيع عناصر الطبيعة.فبعد الشجر يستوقفه الحجر فيوقفه عند الجدار.ولا يفوت القارئ تحرك الشاعر في مربعي العلو والانخفاض فالعلو؛وكأن حلمه يتأبى عن المرافئء الخفيضة .والمتقبل ذاته يقع تحت وقع تعاود لازمة الانتظار ومكرورية راء موتورة تشي بعروج موصول وعليهما ينعكس وقع الجهد المبذول.فأي جدار تنتهي اليه الانتظارات؟
أن الجدار هو الفصل بين ماض ينبض حيوات في شوارع حرسها وتنكر لها عابروها.الا أنه بقي على وفائه وتكتمه على حكايا خطتها دموعهم وابتساماتهم.:”يحدثني عن شوارع منسية وفيلات طاىشة ودموع لم تبارح كراسي المقاهي”.وواو المراكمة تشهد الجدار بما أكثر ماوثق وما أقل ما أسر.
انتقل الشاعر ولعل الانتظارات جرته إلى العناصر الطبيعية المتحركة.وكانت البداية مع ما وصله من تغاريد العصافير واناشيد الحرية تخطيا لقيود اليومي المثقل بزرقته الداكنة .زرقة عمل الشاعر على اختراق دكنتها باخرى شافة يستسقي لها سماء حبلى بغيوم مدرارة تحول القبح الى خصوبة ساعة”نفاس”
وتطهر الكون من أدران افقدته أحوال الراهن بوصلته.وطالما إن الحلم لايني ولا توهن لصاحبه إرادة ؛فان صاحبه ارتمى من السماء في لجة البحر.واذا هو من اللامحدود إلى اللامحدود ومن الغور الى الغور تغويرا للرؤى واطلاقا لها حتى يتحرر واياها من ضيق المكان بداية والفكر نهاية .وما انصاته للبحر إلا لأنه لم يعد يدرك تفاصيله ونسي المد والجزر في تخلفه عن دوره الطبيعي كخزان حياة بالنسبة إلى الإنسان
وتحوله إلى رمس ممتد تفرغ فيه زوارق الموت
حمولتها فيحتكم إلى حركة عرجاء ؛مد ولاجزر يعيد لليابسة ضحايا”الحطابين” :”وأخبئ وحامها في الليل عن الحطابين”.وتتم الحراسة على ضوء قمر كشاف يغادر ربعه ويكسر اغلاله لينشر ظلاله في عتمة تشمل الشعراء والأشباه
وتسمح برشاف قهوة تناى بالاحقاء عن الشعارير والمتشاعرين .رشاف رحيق مفردة كفرت بالعمود وبركاكة البلاغة وكاف تشبيه هي نجدة الفضوليين ومسعفة من شحت “شاعريتهم”بعد النصيص والنصيص.
ح. ق

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *