مظفر النواب  شعر ارتبط بحياة الناس، الشعر لم يكن فوق الشعب بل هو من داخل عروقه، مظفر شرفنا، مظفر ضميرنا، مظفر الرصافي، مظفر الجواهري، مظفر جمع الشعراء طرا، كان هو الشاعر الذي جمع في صدره طموح والام الشعراء العراقيين، لهذا سيبقى اسم مظفر مختلفا عن اي شاعر آخر، الجواهري في عظمة شعره الكلاسيكي ونضاله غير قابل ان يكون رقما من الارقام، هو رقم وحده لانه كان استمرارا للعصر العباسي، بينما مظفر النواب هو الشعر الحديث بمعنى الحداثة، النضال اليومي، السجن الطويل، المنفى الطويل، مظفر محروم حتى من داربين بغداد، كان يريد ان يصل إلى درابين بغداد، يخرج من السجن إلى بلد آخر، مظفر لم يعش طويلا في العراق، مظفر مات ولم يشبع من غبرة بغداد ، لم يرو من ماء دجلة، من وجوه بغداد، لكنه عوّض عن ذلك في شعره وكأنه يمشي في سوق الشواكة او في سوق حنون او في الكريمات او يمشي في سوق الهنود بالبصرة او باسواق الموصل وتراثها العربي العتيق.
مظفر النواب عاش ومات ولم يشبع عينيه من العراق، مظفر يطلبنا ديونا، علينا ايفاء ديوننا لعيون النواب، مظفر الذي جمع الأسى والطموح والتحدي في وقت واحد ونزل كتلة واحدة، هو لن يتكرر لا في نضاله ولا في شعره ولا في القائه، من أين آتي بنائحة لتبكيني على مظفر؟ وانى لي ان اقيم ماتما له وانا اقطع الشارع وحيدا في لبنان.
اتذكر الخنساء وهي تبكي اخاها صخرا:
ولولا كثرة الباكين حولي
على اخوانهم، لقتلت نفسي
فمن يبكي الان على صخرة الشعر؟
مظفر لم يشبع من بلده ودجلته، هو منفي لبلادان اخرى، ومطلوب للمون، هذا الشاعر الذي يبث الحياة للناس هو نفسه المطلوب للموت، يجب احضاره واعدامه وشنقه، خلص مظفر من الشنق بالمنفى، والمنفى شنق اخر، هو شنق الزمن، فلم يستطع الوصول إلى بلده، شعره يتداوله امراء الخليج، لم التق بامير عربي خليجي الا وسالني عن، مظفر النواب… وهم قد وفوا معه.
لااملك الا ان ابكي الان، كيف لمن يتذكر النواب وهو حسين الشعر ولايبكي؟ غُدِر به كما غُدِر بالثوار في التاريخ كما غُدِر بالائمة والزعماء، كما اعدم المناضلون من رجال الحزب الشيوعي(فهد وجماعته)، وكما اعدم القوميون صلاح الدين الصباغ وجماعته، وكما اعدم السيد قطب (وان كان هذا لايريح البعض)، لكن الموت لاجل الفكرة شهادة.
مظفر النواب حسين الشعر كما كان الحسين شهيد الائمة.
كان وفيا للناس، لماء الهور، لمطرة ببغداد، وفيا لشجرة، لعرق الشوك، مظفر زهرة الشوك، الالام انبتت الزهرة، والالام العراقية انبتت لنا مظفر.
مظفر هو متنبي الالام والعصر، هو شرف كل حرة، وضمير كل انسان، عراقيا كان ام عربيا او شرقيا في هذا الكون لانه يدعو للحرية.
مظفر النواب شريف الكلمة، وشهيد الكامة وشهامة الكلمة.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *