كيف يأفل من سمائنا هذا الشهاب الساطع، دون أن تختلّ الحياة على أرضنا، أرض الفراتين؟
كنّا نعدّ كتابَ المختارات القصصية، أنا والراحل وميسلون هادي، لأجل نشرها في كتاب مستقل يصدر مع مجلة إمضاء. المكان: حديقة القشلة. الزمان: ضحى يوم جمعة. نتفّق أنا والكاتبة على قصة، وندرجها في القائمة، ويختار د. نجم قصة أخرى، وأنظر في عيني الكاتبة، أسألها بلغة العيون: هل كانت سنوات الدراسة الطويلة في المملكة المتحدة هي السبب في عدم تماثل ذائقة زوجها في فن القصّ معنا؟ فاتني أن أجمع القصص التي أشار إليها الراحل، فهي تؤلف كتابا مجاورا لكتاب  المختارات الذي صدر مع المجلة.
للراحل صورة شهيرة، واقف بين هياكل معدنية في صفين، تؤلف جزءا من مكتبة بيته، وهي مليئة حتما بالقصص العراقية والروايات التي عمل لها فهرسا ضخما. كم قرأ د. نجم عبد الله كاظم من كتبنا، ومن مؤلفات غيرنا من الأمم؟! نشر قبل وفاته ببضع سنين عناوين أهم 100 مجموعة قصصية عراقية، لم اتفق معه في ذلك الوقت لأنه لم يضمّ إليها مؤلفات فهد الأسدي وجمال نوري، ودار بيننا نقاش حول الأمر عبر الماسينجر…
زرته مرة في محل عمله في كلية التربية، وكان يحثّ طلبته على الكفّ عن التجوّل في حديقة الكلية والانصراف إلى الدرس، فالامتحانات على الأبواب.
رغم بحوثه الرصينة، وكتبه النقدية العديدة، والتي وُلدت بين جامعة بغداد والجامعة التي حصل منها على شهادة الدكتوراه في المملكة المتحدة، عثرت في كتاب أهداه لي على فصل يدرس فيه الشاعر الشعبي عباس جيجان، وهذا يفسّر مبلغ حبّ الراحل وولعه بكلّ ما هو عراقي.
اجتزنا حدبقة الكلية، أنا والراحل، واستقرّ بنا المقام في غرفته. على الطاولة صفّين من الكتب، وكنا نتحدث في ما لا أذكر الآن، وطرقت باب الغرفة طالبة حسناء هيفاء أنيقة الهندام. لفتت نظري في تلك اللحظة عيناها العسليتان وهما تنظران بإجلال وإعجاب إلى أستاذها، وكان يدعوها في أثناء كلامه معها “ابنتي”.  كيف تذكّرت اليوم الراحل والطالبة الحسناء والكاتبة؟ ربما كان الغبار الذي يملأ الآفاق هو السبب، فلعلّ ذكرى د. نجم الطيّبة تنقّي هواء البلاد التي أحبّها، بلاد الفراتين…عاشت ميسلون هادي مع زوجها طوال سنين دراسته في بلاد الضباب، في سبعينات القرن الماضي، والقصة الوحيدة التي لم توافقني على نشرها ضمّتها مجموعتها القصصية الأولى، وفيها تصوير لحياة الطلاب، وهم يقومون بسفرة مدرسية إلى إحدى حدائق لندن، وكانت الأستاذة المرافقة تدلّ طلّابها على أنواع الزهور والعطور… حتى أن لغة الكاتبة أخذت عبقا من كل شيء. ثم نشرتُ القصة في كتاب المختارات، وكي لا تزعل السيدة القاصّة، أثبتُّ في مقدمة المختارات إن هذه القصة ليست من اختيارها.نشر الراحل كتبا عديدة، ويبقى جهده الأهم هو فهرسته للقصة والرواية في العراق، أرض الفراتين…

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *