حول الفساد سؤالين: مشكلة المنتج الفاسد للأحكام المُسبقة: هل لدينا سياسي واحد لا يحمل في رأسهِ أحكاماً مُسبقة؟ يتمثل خطر الأحكام المُسبقة بأنَّ السياسة تكاد تختفي من العراق، لا يوجد رجل دولة واحد، لا يوجد مَنْ يضعُ مصلحة البلد فوق مصلحة حاشيته وحزبه ومؤيديه، فيجلبُ لنا كلبَ صيد، كلُّ همَّه أنْ يجمعَ له مالاً يستخدمه في الانتخابات المقبلة لشراء الأصوات! الأحكام المُسبقة تنقض السياسة وتنقض العلم والفكر والعقل. الأحكام المُسبقة مصدرها كبرياء القادة الذين يعتمدون أنسابهم التي تدعو إلى السخرية عند مقارنة زهد ونزاهة وشجاعة وصدق آل البيت بِسوء سِيَرِهم!
مشكلة الفعل التواصلي للفساد بمفهوم بغداد ضد بغداد؟ نهضت بغداد القاع، زومبي وُحُوشُ المَجْرَى الصندوقي، هذا القاع يبتلع بغداد الحسناء، كحوتٍ أزرق أبله جاهل متعطِّش للدماء كوحوش غويا. وُلِدَ الفساد في بغداد، توفيَّ في بغداد. و”بغداد كلها نار، لكن أين الدخان؟”
لا تكاد تمرُّ سنة بلا حريق في طابق العقود، وحريق في مديرية الضريبة أو مستودع كبير لأحزاننا وآلامنا! ولا تكاد تمرُّ سنة امتحان وزاري عام بلا فضائح تسرب الأسئلة، متهم بتزوير نتائج طالبة حسناء في قسم اللغات الأفريقية، أعفتهُ اللجنة التحقيقية من كرسي مدير القسم ونقلته خارج الكلية. التغيير الديمقراطي، جاءَ بوزير جديدٍ للتعليم، أعادهُ عميداً للكلية، وكان هذا أحد شروط استيزاره. عاد لينتقمَ من اللجنة التحقيقية! والتغيير الديمقراطي جاءَ بوزير جديدٍ للتربية، بقفزةٍ أخرى صار بمنصب مدير عام! لينتقمَ من المعلمين الذين ضربوه وأهانوه بتهمة الغش والشغب والسرقة والعنف. وماذا ننتظر ممن بلا تدرج ولا خدمة ولا خبرة، يشتري المنصب والكرسي بعرضه وماله؟
ما هو التحليل الصحيح للاعتقاد المتعلق بنظرة العالم الخارجي لفساد بغداد؟ لماذا يتمتع بعض الفاسدين باحترام دول الجوار؟ يستقبلونهم رسميَّاً في المطارات ويمشون معهم على السجاد الأحمر، هل ينظر العالم الخارجي إلى خراب بغداد بوصفه قضية لا معنى لها؟ ما هي مصلحة دول الجوار بخراب بغداد؟ على الرغم من تصريحاتهم وشِعاراتهم بحب بغداد وسيادة العراق ووحدة أراضيه، لكنهم يخططون ويفعلون العكس تماماً.
ماذا تريد العواصم المجاورة من بغداد؟ ألا تتعارض فرضية وجود بغداد قوية وعامرة ونظيفة ونزيهة مع مصالحهم؟ لكي تظلَّ تحت السيطرة، يجب أنْ تظلَّ فاسدة متناحرة منقسمة على نفسها، وقد تلجأ هذه العواصم على هامش الحديث عن تبريرات نسبوية تستدعي فرضيات زائفة جديدة، يُكَذِّبها واقع الحال.
ربما يرغب بعض قادة دول الجوار، الانتقام من العراق، لكن كيف وبماذا سينفعهم انتقامهم؟ أليس وجود عراقٍ ضعيفٍ مشتت، أفضل لاستقرارهم من عراقٍ قويٍّ يقضُّ مضاجعهم؟ أليس انهيار الخدمات مصدر انتفاعهم من رأس المال العراقي الهارب والكفاءات العلمية والطبية؟
رَدَّا على العقوبات والحرب الباردة وسلسلة الاغتيالات، كالاغتيال الغامض لأستاذ الفيزياء النووية محسن فخري زاده قرب طهران، 27 نوفمبر 2020 ربما تفكر طهران بالانتقام من بغداد. وبمعنىً آخر لاعتقاد فاسد بوجوب استعادة السيطرة وبسط النفوذ، بفرضيات جائرة للتواصل المتبادل، قابلة للنقض. ورداً على تسرب الأسئلة يوف يتم معاقبة وملاحقة الطلبة بتأجيل الامتحانات إلى إشعارٍ آخر. بماذا يشعر الطالب الذي قضى ساعات طويلة يقرأ ويقرأ؟
ردود الفعل المحتملة هذه، قد تؤسِّس لإمكانية قيام الشك ولحدود الشك اللانهائي بإمكانية استعادة بغداد لِمَزَاعم حياتها ونضارتها واستقرارها، وفي ذات الوقت قد يكون التأسيس السياسي لمزاعم الإصلاح ومحاربة الفساد والتوقف عن بيع المناصب وشراء الأصوات من قبل المرشحين، وشراء رؤساء الكيانات لولاءات الفائزين.