بقلم | نصير جبرين

تكمن مشكلتنا في الانسان ، وفي ( الآلة ) المنتجة لهذا الانسان ؛ اي المجتمع بكل ما يتضمنه هذا المجتمع من بناءات روحية ومادية وتاريخية ..فعلى مدى مئات السنين الماضية لم يحصل هناك فرز او تهذيب او تكييف بين مخرجات البادية والريف والمدينة في مجتمعنا ثلاثي التكوين . فنشأت لدينا منظومة هجينة اعتباطية من القيم ادت الى تجزوء الشخصية الانسانية لدينا الى عدة اجزاء كان من اهم مواصفاتها الازدواجية والتناقض ، والضبابية في السلوك ،والفوضى في تعامل افراد المجتمع بعيدا عن ثوابت وأسس البناء الروحي والمادي والاخلاقي والتاريخي والحضاري المطلوب في سير وتقدم مجتمع مثل مجتمعنا .وكان من اهم منتجاتها حركة مجتمعية غير ثابتة الاسس والمعالم ، هشة الجدران ،غير منتظمة ، تسعى الى التغيير ، ولكن في اطارات سلبية لا تقوى على تطويع ما فيها من روح بدوية وريفية ومدنية لصالح التحضر ولصالح افراز قدر ضخم من اليات الثوابت الحضارية التي تسير وفقها كل شعوب العالم في درب التقدم .
وكل هذه الامور ، فضلا عن المؤثرات الخارجية السلبية ، خلقت انساناً بعيداً عن مواصفات القيادة الناجحة المكينة للمجتمع في شتى البنى والمفاصل . بل خلقت انسانا فيه من مزروعات القيم السلبية ما جعله بعيداً عن أنموذجات القيم والروح والعلاقات الانسانية والاخلاقية الواجبة بين البشر ابناء المجتمع الواحد .
ان الحل الاكفأ كما نراه يكمن في خلق الانسان الأنموذج ،وليس الانسان العادي الذي يحمل كل القيم السلبية المعروفة ، ويمارسها ، او تمارس تأثيرها عليه منذ الولادة حتي الممات .والأنسان الانموذج هذا لا يمكن ان يخلقه مجتمع بواصفات مجتمعنا الحالي بكل تأكيد بل مجتمع يمتلك كافة اليات الخلق والبناء الصحيحة .. وهذا هو الآخر لا يقوم بين ليلة وضحاها ولا نتوقع ان العلاقات والمؤسسات الاجتماعية القائمة الان من الممكن ان تخلقه مهما طال الزمن بها او قصر ..انما علينا ان نستجمع كل ما لدينا من وسائل البحث لأيجاد (القدوة الاخلاقية الانموذج) الكفيلة بتنفيذ هذه المهمة الشاقة الطويلة .
ان (القدوة الاخلاقية الأنموذج) ينبغي ان تتجسد في الحاكم والمفكر ورجل الدين والمعلم والأب .. فهذه العناصر الخمسة هي المعول عليها في البناء وأعادة البناء للأنسان المطلوب . واني لأجد ان هناك امكانية لذلك .. فالأغلبية تريد التغيير ، وان شعباً بالمواصفات التاريخية لنا انتج من الأنموذجات الحضارية ما يعتد بها، قادرا على انتاج وأعادة انتاج المِثل والبدائل الشبيهة ….ان النية متوافرة شرط البدء ، وان نواةً من هذه الانموذجات موجودة شرط منحها فرصة جمع باقي الجزيئات حولها ، والتصدر والتصدير ، الانتاج وأعادة الانتاج …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *