لا تغيب المعضلات ، وذكر الحالات السلبية بأشكالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تقع في الواقع و تنافس وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي على ذكرها، والاشارة اليها حتى غدت صفات ملازمة لبيئة متصدعة تنوء من ثقل اوجاعها والسقم المرافق لافراد يكابدون الحياة من فرط التحديات المصطنعة حيناً والمولودة جراء تشوه طبيعي في أحايين اخرى.
و نرى أن جُل أعضاء المجتمع يوجه النقد السلبي الذي يؤكد عدم الالتزام السياسي إزاء تلك القضايا لعدم إتخاذ موقف مما يروج في المجتمع مثلما يرى باحثون.
إذ أن هذا الشكل من النقد يؤدي الى الفوضى و ربما أستخدام العنف بين أبناء المجتمع مع أستمرار ضعف الدولة ، وإهمال الحكام لمعاناة الناس التي تكشف عنها بالنقد اللاذع و الشكوى المتكررة بهدف رفع الظلم و الدعوة الى الاهتمام بحاجاتهم الانسانية الغائبة وإيصال رسالة عاقلة كمقدمات أوالية ، لا تستمر طويلاً ، لا ستفحال اللامبالاة المفضية الى النهايات المغلقة .
وبالرغم من طرح النقد الايجابي او البناء أحياناً من خلال تلك الوسائل المتعددة ، القائمة على الحوار و طرح أفكار تهدف الى المصلحة العامة او الافادة عنها بارتقاء المجتمع ، غير أنها ما زالت هامشية ، غير فاعلة مع إنتشار مراكز الثقافة التقليدية في المدن مثلما هي راسخة في القرى والأرياف ، تلك الثقافة غدت تشكل تحدياً مع استمرار التصدع و تراجع فعالية المنظمات والاتحادات والتنظيمات النقابية والسياسية ، فقد تسربت تلك – الثقافة – الى الجامعات و طلبتها والاكاديميين والمثقفين ، وأصبحت ثقافة سائدة في كل مفاصل الحياة المدينية مما انعكست على مؤسسات الدولة .فالمنتمي اليها يتكئُ على اللقب او الطائفة والقبيلة لتوكيد الهوية كي يتوارى خلفها و يحتمي بها .
لأن منظمات المجتمع المدني لم نأخذ دورها المؤثر في الحياة السياسية والاجتماعية ، التي تتطلب ثقافة مغايرة تنسجم مع نظام سياسي جديد، في بنيته المتمثلة ( بتقسيم السلطات والمؤسسات وفق رأي مونيتسكيو للنظام الديمقراطي .
أن الدأب على النقد السلبي المتواتر قوض حقيقة ان فضح إحدى الظواهر السلبية يشكل البداية لمواجهتها مثلما يرى عبد الرحمن منيف ، تمهيداً للتخلص منها ، ويأخذ الأمر شكل صراع ، و هذا الصراع ربما يطول ، وقد يتعرج ، ويبدو أننا اليوم في أحدى مراحل الصراع الاكثر قسوة ، وفي أحدى المنعرجات الأشد خطورة.
فالكتابات المنشورة والآراء المطروحة عبر وسائل الاعلام و الاتصال غدت ممارسة يومية .
وقد يكون الانتقاد غير محبباً ، لكنه ضروري لانه يقوم بنفس وظيفة الألم في جسم الانسان وينبهنا الى أمر غير صحي (تشرشل).
غير أن النقد لا يجد صدىً لدى الجهات المعنية او المختصة التي يتوجب عليها التحقق واتخاذ الاجراءات الرادعة لها. وذلك يعود الى أن تلك السلطات والمؤسسات التي تشكل بنية النظام والمسؤولة عن حماية المجتمع ، تعاني أختراق القوى التقليدية و السياسية التي تمنح الغطاء للظواهر السلبية والمشاركة في صناعتها ، و هذا التدخل انتج ضعفاً في تطبيق القانون و هشاشة الدولة .
على أن أستشراء الظواهر السلبية والفقر وغياب العدالة الاجتماعية بسبب التوزيع غير العادل للموارد المالية و الشعور بالاغتراب السياسي . يؤدي الى التفكيك والانقسام غير المرئي لخريطة الوطن ، والمرئي مع استمرار صراع الحاضر مع الماضي وفق نظام سياسي ومجتمع مشفوع بالتصدع مع إذكاء النزعات الطائفية والقومية التي تتكئ عليها القوى المتسيدة على المشهد السياسي والاجتماعي .
لذا يتوجب على المفكرين و الباحثين التصدي وتحمل أثقال الصراع و الاقناع ليس بالدعاية وانما بالتحليل و إفشاء الحقيقة ، كي نطال المستقبل .