مهنة الطب في الدول العربية، لاسيما تلك التي تعج بزيادة واضحة في الأطباء الجدد مهددة بانحدار المستوى مع تساهل كثير من النقابات في منح شروط التراخيص لفتح عيادات خاصة، باتت تعتمد دعايات متنوعة قد تتفوق على سمعة أطباء اكفاء لا يزالون في عياداتهم القديمة منذ عقود.
هناك رقابات من وزارات الصحة والنقابات الطبية بمستويات متباينة ولا تخلو من مجاملات وتساهل هنا وهناك ، الا ان مجال التملص من العلامات المقبولة في كفاءة الأداء لا تزال ممكنة لعديمي الضمائر من الناكثين بالقسم.
لقد ابتلى قطاع الطب بتعاقدات تجارية بين الأطباء ومختبرات التحليل والتشخيص التي غالبا ما تكون مملوكة بوجه من الوجوه من قبل نفس الأطباء في مراكزهم الطبية المستقلة او خارجها. ولا يراعي الأطباء الكلفة العالية التي يتكبدها المرضى واغلبهم من محدودي الدخل حين يطلب كل طبيب عمل فحوصات جديدة ولا يعترف بفحوصات مضى عليها وقت قصير كان طلبها طبيب اخر قبله، والنتائج تكون نفسها في الفحوصات كلها، الا انّ الكلفة الزائدة تقع على المريض الضحية الذي لا يملك الا التنفيذ الأعمى لكلام الطبيب أملاً في إيجاد طريق لاستعادة صحته.
هناك ضمائر تجارية متربصة ومتمكنة بدل الطبية، علينا مواجهة هذه الحقيقة بصراحة مطلقة وعدم التستر بشعارات قدسية مهنة الطب التي خرقها كثير من اصحاب المهن الطبية.
لكل حالة مرضية بروتوكولات خاصة في العلاج، لكن عشوائية الاجتهادات تجعل المريض ضائعا وسط غابة من ازمات يصعب عليه الخروج منها.
القطاعات الطبية باب تجاري واقتصادي ممكن تطويره في أي بلد، لكن لا يمكن ان يكون مجالاً مفتوحاً للمتاجرة بصحة الناس عبر اجتهادات بعيدة عن التخصص الطبي الدقيق، اذ تتكرر الأخطاء باستمرار وترمى على المريض من قبل أطباء يتضامنون فيما بينهم على التستر على اخطائهم ليستمروا في مسارهم. حتى بالمفهوم التجاري فإنّ الزبون على حق ، لكنهم يخرقون هذا المفهوم الذي يعملون في ضوئه فما بالك بقيم الطب؟
انّها أزمة واضحة من أزمات القيم والتفسخ الاعتباري في المجتمعات العربية الباحثة عن الثراء السهل، بعد ان أصبحت مهن الطب بابا تجاريا واضحاً.
لقد لجأ الأطباء في اعقاب معارك تحرير الموصل من تنظيم داعش الى بتر الاف الاقدام والاذرع لأطفال ونساء مصابين بالقصف، عبر اللجوء الى الحل النهائي من دون المرور بمراحل علاجية تسبقه، فتولد في الموصل فوق مصائبها أفواج
من مبتوري الايدي والاقدام من ضحايا عجز التعامل الطبي الصحيح معهم.