منهج دراسة الاجتماع الديني الشيعي:
لقد حدد المؤلف الدكتور علي المؤمن في بداية الكتاب موضوع الدراسة التي قام بها، وهو المجتمع الانساني الذي افرزه التشيع في عصر الغيبة، وهوية هذا المجتمع وانساقه ومكوناته، وهو ما عبر عنه بـ (النظام الاجتماعي الديني الشيعي). وبما أن المؤلف أشار في المقدمة الى كون منهجه في الكتاب هو الوصفي التحليلي، لذلك؛ نرى أن من الضروري هنا التعريف بالمنهج الوصفي التحليلي.
إن المنهج الوصفي التحليلي احد فروع المنهج الوصفي المتخصصة التي كانت بمثابة احد التطورات التي قام بها الباحثون العلميون بإضافتها على صورة المنهج الوصفي الاصلية البدائية، ليقوم فيها المنهج الوصفي التحليلي بوظيفة اضافية اكثر مرونة وفائدة، بجانب وصف الظواهر عن طريق الملاحظة وطرقها المختلفة، حيث يقوم بعمل ما يطلق عليه تحليل الظواهر ومقارنتها بشكل اكثر تفصيلا. ومن هنا كان تعريف المنهج الوصفي التحليلي انه ذلك المنهج الوصفي المتعمق الذي يقوم فيه الباحث العلمي بوصف الظواهر والمشاكل العلمية المختلفة، وحل المشكلات والتساؤلات التي تقع في دائرة البحث العلمي، ثم يتم تحليل البيانات التي تم جمعها عن طريق المنهج الوصفي، حتى يمكن اعطاء التفسير والنتائج المناسبة عن تلك الظاهرة، كما يستطيع الباحث العلمي كذلك عن طريق المنهج الوصفي التحليلي ان يضع الظواهر المختلفة في المقارنات بين الظواهر المشابهة، حتى يمكن تجميع البيانات المختلفة عن الفروق والمتشابهات بين تلك الظواهر، وهي اهم المميزات التي تميز المنهج الوصفي التحليلي عن غيره من المناهج العلمية، وتعزز استخداماته في البحث العلمي بشكل كبير.
وبعد ان قدم الدكتور المؤمن تقويماً مختصراً لمناهج علم الاجتماع الديني الوضعي؛ خرج بنتيجة مهمة، وهي ان هذه المناهج ليس لها القدرة على دراسة النظام الديني الاجتماعي الشيعي او الظاهرة الدينية الاجتماعية الشيعية، دراسة موضوعية تكشف بالفعل عن حقائق الظاهرة وبناها المركبة، وبيَّن المؤلف السبب بقوله: ((إن المباحث التقليدية لعلم الاجتماع الديني تقتصر على دراسة الظواهر الدينية الاجتماعية، وتاثير الدين في ايجاد الظواهر الاجتماعية المنسوبة اليه، ولا يتمدد الى دراسة الظواهر الاجتماعية السياسية والظواهر الاجتماعية الثقافية والظواهر الاجتماعية المعرفية، لأنها ظواهر مستقلة ــ عادة ــ عن الأديان والمذاهب الأخرى)). وإذ تفرز الأديان ومؤسساتها ظواهر دينية اجتماعية غالبا، بينما يضم النظام الديني الاجتماعي الشيعي جميع هذه الظواهر، وتنتمي اليه كل المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية والمعرفية الشيعية.
والذي دعى المؤلف لقيامه بهذه الدراسة التوصيفية التحليلية للظاهرة الدينية الاجتماعية الشيعية، حسب قوله، هو أن اغلب الدراسات التي تناولت هذه الظاهرة، لم تأخذ بنظر الاعتبار فرادة هذه الظاهرة، ولم تراع خصوصياتها المركبة، حتى التي كتبها باحثون مسلمون وعرب، وبينهم شيعة، لأنهم اخضعوا هذه الظاهرة لمناهج علم الاجتماع التقليدي ومفاهيمه ومعادلاته ومصطلحاته، كأية ظاهرة اجتماعية دينية اخرى، مما ادى الى وقوع هذه الدراسات في فخ التشويه وعدم الموضوعية. وبيَّن المؤلف مسالة مهمة وهي ان علم الاجتماع الديني الشيعي لا يعنى بدراسة التشيع كمذهب ديني عقدي فقهي، بل بدراسة الشيعة كظاهرة اجتماعية سياسية وثقافية مركبة. كما بيَّن المؤلف ان علم الاجتماع الديني الشيعي الذي يعمل على تثبيت أسسه وقواعده المعرفية، يختص بالشيعة الامامية الاثنا عشرية فقط، وبصرف النظر عن حجم التزامهم الشعائري والطقسي بل والعقدي احيانا.
وحدد المؤلف عناصر التشيع ومجتمعه بستة عناصر اساسية، هي: العنصر العقدي، العنصر السلوكي، العنصر التاريخي، العنصر الطقوسي والعنصر الاجتماعي، واراد من هذا البيان ان يحدد ماهية العنصر الذي سيكون موضوعاً لعلم الاجتماع الديني الشيعي، ألا وهو العنصر الاجتماعي.
وسلّط المؤلف الضوء على بعض المميزات الاساسية للاجتماع الديني الشيعي، باستناده الى قاعدة غيبية تتمثل في نيابة سلطة النظام الديني الاجتماعي الشيعي عن القائد الحقيقي الغائب، وهو الامام محمد بن الحسن المهدي المنتظر، وبيَّن ان المسلمين، وان كانوا عموما يعتقدون بعقيدة المهدي، وان قائدا اسلاميا مصلح سيظهر في آخر الزمان، لينشر العدل الاسلامي في كل الارض، لكن الفرق الاساس بين الشيعة والسنة في هذا المضمار، هو ان المعتقد المهدوي ليس له مدخلية تشريعية عند السنة، ولا يؤثر غيابه في وجودهم وسلوكهم المذهبي الاجتماعي. اما عند الشيعة؛ فان وجوده ليس مجرد عقيدة نظرية عامة لا تؤثر في الواقع الاجتماعي، بل هي عقيدة اساسية، تستند اليها السلطة الدينية الاجتماعية المركزية في شرعية وجودها.
ومن المميزات الأُخر للاجتماع الديني الشيعي انه اجتماع عالمي متماسك، وليس اجتماعاً محليا او اقليميا، وان الأوامر المذهبية الاجتماعية المشتركة التي تشد وحداته المحلية ببعضها او الى المركز، هي اقوى بكثير من التباين اللغوي والقومي والوطني.
وحتى يتوصل المؤلف الى معالم علم الاجتماع الديني الشيعي؛ فإنه توقف عند الظواهر المتفرعة عن الظاهرة الكلية التي اصطلح عليها النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وحددها بست ظواهر أساسية وهي كالتالي:
1-ظاهرة السلطة الدينية الاجتماعية، وهي باختصار تمثل قمة هرم النظام الديني الاجتماعي الشيعي، وتتمثل في المرجعية الدينية أو ولاية الفقيه
2-ظاهرة المؤسسة الدينية العلمية، وتتمثل في الحوزة العلمية والمؤسسات العلمية الدينية التابعة لها
3-الظاهرة الشعائرية والوجدانية والطقسية، وتتمثل في المساجد ومراقد آل البيت والحسينيات وأمثالها
4-ظاهرة المال الشرعي، وتتمثل في المؤسسات المالية والاقتصادية الداخلية ومصادرها
5-ظاهرة المؤسسات الداعمة، وهي المؤسسات والجماعات والشخصيات السياسية والعسكرية والاعلامية والثقافية
6-ظاهرة القاعدة الاجتماعية، وتتمثل في عموم الشيعة سواء الملتزمين دينيا أو غير الملتزمين.