نادرا ما يحصل اجماع حول حدث ما في الساحة العراقية، فالخلاف حاضر عند اغلب مفاصل الحراك السياسي وغيره.. وهذا امر متوقع.
الملفت للنظر ان ردود الأفعال غالبا ما تتسم بالعشوائية، وتعتمد التقييم الانفعالي الذي يجتر مواقف أعدت مسبقا، وفق مقتضيات التنافس السياسي.
زيارة زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم الى المملكة العربية السعودية، فرضت نفسها على الواقع الإعلامي، قبيل سفره بأسبوع تقريبا، او منذ اللحظة التي تم تسريب خبرها للإعلام.
هذا التفاعل وبغض النظر عن الخوض بتفاصيله، لم يأتي من فراغ، بلحاظ حساسية العلاقة بين العراق والسعودية، والثقل السياسي والرمزية التي يمثلها الحكيم، في البعد الشيعي العراقي، والعلاقات الودية التي يتمتع بها مع شيعة العالم الإسلامي، ناهيك عن منهجه في الوسطية وخطابه المعتدل، الذي جعل منه محورا مهما في الواقع الإجتماعي العراقي.
اضافة لعوامل أخرى تتعلق بتوقيت تلك الزيارة، وما تشهده الساحة العراقية من تحديات، تزامنت مع متغيرات تشهدها المنطقة والعالم، ألقت بظلالها على تعاطي الدول الكبرى مع الأولويات، واستبدال المواقف تبعا لمصالح القوى، المؤثرة في المشهد العالمي برمته، والذي يعد العراق واحدا من ساحات الصراع ضمن مجريات الحدث العالمي.
ربما تلك الظروف والتداعيات، كانت غائبة عن أذهان كثير من المراقبين “المتحزبين” الذين تعاملوا مع تلك الزيارة كحدث هامشي لا يستحق الأهتمام، لدرجة تسفيهه وعدم اعطاءه الأهمية التي يستحقها، من الناحية النقدية والتحليلية،
في حين يرى آخرون اهميتها، باستحضار العوامل آنفة الذكر، ويعدونها كحدث استثنائي، على أمل حصد نتائجه الإيجابية ولو بعد حين..
بينما ترى جماهير الإطار التنسيقي الذي يعد الحكيم أهم اركانه الفاعلة، في تلك الزيارة بأنها حركة جريئة لإثبات الوجود وإعادة التموضع، بعد الهزات العنيفة التي خلفتها نتائج الإنتخابات، وما تلاها وصولا إلى العراقيل التي اوجدها التيار الصدري، أمام التصويت على مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الحكومة.
كذلك يمكن اعتبارها محطة لمراجعة المواقف، داخل مكونات الإطار وجماهيره، وإعادة النظر في علاقاتهم مع الحكيم، والتي شهدت تذبذبا واضحا منذ رحيل أول وأخر زعيم، لما سمي في حينه بالائتلاف العراقي الموحد، وهو الراحل عبد العزيز الحكيم، حيث أثر غيابه سلبا على علاقة الأطراف الشيعية ببعضها، كذلك ترك فراغا في الساحة السياسية لعموم البلاد..
التيار الصدري وبحجمه المعروف اجتماعيا، وثقله الواضح سياسيا بطبيعة الحال، لا بد أن تكون له كلمته ازاء هكذا حدث، والذي كان لما يعرف بوزير الصدر تعليقا حوله حين هاجم تلك الخطوة.. فيما ذهب مدونو التيار الصدري الى التقليل من أهميتها، وصرحوا بانطباعهم السلبي، على بعض القضايا البروتوكولية التي تعاملت بها المملكة مع الضيف..
لكن الغريب ان آليات التقييم المعتمدة من قبل اتباع الخط الصدري، كآنت عنيفة لدرجة خروجها عن الاطر المعتادة ومغادرتها اللغة الدبلوماسية، بل وصل الأمر إلى إستخدام المفردات البذيئة والالفاظ النابية الخارجة عن المألوف..
هنالك من يرى ان التيار الصدري يرى في الحكيم وتياره، بمثابة الضد النوعي لما لهما من المشتركات التي تجمعهما كآليات للعمل السياسي، فالصدر يرى في بقية خصومه كاشخاص تحمل رمزية مؤقتة، تنتهي بغياب الشخص او تركه للعمل السياسي، إلا في ساحة الحكمة لا وجود لهكذا تصور، كونها تعتمد الامتداد الجماهيري، الذي يعتقد برصانة منهج المدرسة الحكيمية، وقربه من القضية العراقية، واحقيته بتمثيلها.. لما له من علاقات واسعة في الساحة المحلية والاقليمية والدولية..
يضاف إليه ان الحكمة تتزعمها عمامة شابة، ترجع نسبا للعوائل العلمية المعروفة في النجف الأشرف، والأمر ذاته في زعامة التيار الصدري، كما انهما يتنافسان في نفس الساحة الاجتماعية، حيث ان غالبية الاتباع لكلا التيارين، هم من محافظات الوسط والجنوب، كذلك التشابه في الطرح الذي يعنى بالتعامل مع القضية العراقية،
وعليه يمكن إعتبار ان المشتركات بين هذين الجهتين، تكاد تكون اكثر من نقاط الخلاف، التي يشعر التيار الصدري ان زيارة الحكيم للسعودية، تعد خطوة أولى لمحاولة سحب البساط من تحت اقدامه، وتقديم الحكيم كواجهة شيعية تتحدث بأسم شيعة العراق لمخاطبة الآخر، ناهيك عن تأثيره في الداخل العراقي، وتهيئة الأجواء للمضي بالاجراءات الدستورية، وتشكيل حكومة برعاية الإطار التنسيقي، وهو ما لا يتمناه الصدر، وعبر عنه صراحة بحركته الاخيرة، حين ادخل اتباعه لمبنى البرلمان لعرقلة جلساته.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *