صوتٌ تَفَجَّرَ لا يُخفيه كتمانُ
مِن جانحيَّ؛ ففي الأعماقِ نيرانُ
لا تَعذُلوني؛ فذي أضلاعيَ احتَرَقَت
وما تَبَدَّى لكم نارٌ ودُخَّانُ
إن كانَ للمرءِ عقلٌ يُستَضاءُ بهِ
كذاكَ للمرءِ إحساسٌ ووجدانُ
فالعقلُ يَخرَسُ لو حلَّت بهِ مِحَنٌ
وتَستَبِدُّ بنورِ الصَّبرِ أشجانُ
قالوا: عُرِفتَ لدى وَقعِ الخُطوبِ فتًى
واليومَ أنتَ بدمعِ العينِ غرقانُ
قلتُ: اعذُروني؛ ذوَى صبري وفارَقَني
وصاحَبَتني بدارِ الغربِ أحزانُ
مَن ضمَّهُ القبرُ لا جارٌ فأُبدِلُهُ
إن كانَ يُبدَلُ خِلَّانٌ و جيرانُ
ولا كصفراءَ أو بيضاءَ لو نُصِبَت
أَدعو ليَنجُدَني أهلٌ وأعوانُ
ولا قريبٌ بلا حقدٍ ولا حسدٍ
يَفوقُهُ كَرَمًا حتَّى وإن دانوا
لكنَّهُ والدٌ وابنٌ وخيرُ أخٍ
بل عصبةٌ كلُّها صَحبٌ وإخوانُ
في الخَلقِ خِلٌّ وفي الأنسابِ مِن نَسَغي
قد صاغَنا خالقٌ للكونِ منَّانُ
عشنا مع الدِّينِ يُنشينا تَأَلُّقُهُ
يَلُفُّنا – في رضا الرَّحمنِ – رِضوانُ
عشنا نُناغِي صراطَ الحقِّ يَدفَعُنا
رحْمٌ نظيفٌ وتوجيهٌ وإيمانُ
حتَّى دهَتنا دواهي الظُّلمِ فانفَرَطَت
تلكَ العقودُ، ودمعُ العينِ هتَّانُ
ورحتُ أَطوِي المَنافي ليسَ لي وطنٌ
وصاحبي – بعدَ ربِّ الكونِ – قرآنُ
والخمسةُ الطُّهرُ أصحابُ الكِسا سَنَدي
إن هزَّ عودي بتلكَ الأرضِ بركانُ
ورحتُ أَعدو وعينُ اللهِ تَرقُبُني
وتَنطَوِي في ديارِ الغربِ أزمانُ
أَحِنُّ للأهلِ والإخوانِ في بلدي
وللرِّمالِ وللأهوارِ ظمآنُ
وأَسأَلُ الطَّيرَ عن أرضٍ صبَوتُ بها
كلِّي عيونٌ لِما فيها وآذانُ
وصرتُ أَشعُرُ في المَنأَى يُجَلِّلُني
بحرٌ خِضَمٌّ تَرامَت منه شطآنُ
وكنتُ أَغبَطُ مَن يَحيا بمَنبِتِهِ
لهُ بلادٌ كما للنَّاسِ أوطانُ
وعشتُ دهري أُمَنِّي النَّفسَ في زمنٍ
تَغفو بهِ بعدَ جَمعِ الأهلِ أجفانُ
فجاءَنا الفيضُ مِن ربٍّ تَعَهَّدَنا
لهُ علينا – كأمِّ الطِّفلِ – تَحنانُ
وجُذَّ عِرقُ بناةُ الظُّلمِ وامَّحَقوا
حتَّى كأنَّ رعاةَ الجَورِ ما كانوا
وهزَّتِ الظُّلمَ والأرجاسَ قارعةٌ
كما يَهُزُّ رواسي الأرضِ بركانُ
وبُدِّدَت عتْمةٌ كالدَّاءِ قد عبَثَت
في الرَّافدَينِ، وساسَ المُلكَ عُميانُ
فعدتُ أَحيا مع الأحبابِ أزمنةً
قد لفَّها مِن مرورِ الدَّهرِ نسيانُ
قد التَقَينا لتَلقَى النَّفسُ محنتَها
لمَّا أَتاها بنفحِ الوُدِّ إنسانُ
إنِّي إليه كما للصَّحبِ في ولهٍ
وللدِّيارِ وصوتِ الرَّحْمِ ولهانُ
كانَ البديلَ لمَن ماتوا ومَن قُتِلوا
في الجُودِ والحِلمِ والأخلاقِ ملآنُ
يَهتَزُّ مِن فرَحٍ إن زرتَ مَجلِسَهُ
كأنَّهُ في رحابِ الدَّارِ ديوانُ
تَفوحُ دَلَّتُهُ في البيتِ نافحةً
عطرَ الكريمِ إذا ما دارَ فنجانُ
إنِّي سأَحيا بهذا الكونِ في ألمٍ
يَلُفُّني بعدَهُ همٌّ وأحزانُ
وأَلطِمُ الخدَّ في نَوحٍ وفي صَخَبٍ
كما تَنوحُ على الأمواتِ نِسوانُ
وليسَ هذا بشافٍ ما أُكابِدُهُ
ولا بذاكَ يُصيبُ الرُّوحَ نسيانُ
ولا أَراهُ بفضلٍ كي أَبوحَ بهِ
فليسَ فيما دها المجنونَ إحسانُ