لقد استخدم عالم الاجتماع الفرنسي “ايميل دوركايم” اصطلاح التماسك الاجتماعي استعمالا علميا في كتابيه ” تقسيم العمل والعمل الانتحاري ” وهو يقول في هذا الصدد ان درجة التماسك تعتمد على طبيعة الجماعات والمنظمات والمجتمعات التي تؤثر تاثيرا كبيرا ومباشرا في انماط وسلوك الافراد.

كما اكد” ابن خلدون” اهمية التماسك الاجتماعي فقال ان المجتمع لايمكن ان يظهر الى الوجود من خلال تفرق جهود الافراد وتبعثرها ، فالإنسان الذي يدرك بفطرته سبل عيشه، يدرك كذلك ضرورة تعاونه وتماسكه مع الجماعة اذ ليس بمقدور كل انسان ان يوفر حاجاته لنفسه ، ان ذلك يتطلب تماسكا وتعاونا بين الناس.

ومما لاشك فيه ان المجتمعات تمرض، وتتعرض الى ازمات وعقبات عبر التاريخ، الا ان المجتمع المتماسك المبني على التآخي والإخلاص والمحبة لأرضه وأبنائه، هو المجتمع الذي يتمكن بفضل قدرة ابنائه على تجاوز العقبات والازمات ،من خلال الصمود لمواجهة التحديات، ولذلك ومن هذا المنطلق وفي ظل الازمات التي مر بها عراقنا العظيم عبر التاريخ، وخاصة بعد الاحتلال البغيض، يحتاج الى تنقية النفوس وتوافر النية الصادقة لعبور وتجاوز مخلفات الاحتلال واذنابه، وما حصل من تفتيت للحمة الوطنية واثارة النزعات الطائفية والاثنية والجهوية، لان ذلك هو العلاج والطريق السليم للحفاظ على تماسك وحدة الشعب، وتعزيز اليات التعايش السلمي المجتمعي ،ونحتاج الى جهود كبيرة على المستوي التربوي والثقافي ، لجعل قيم الدين الرئيسة الرحمة والعدل والبر، تتحول إلي مبادئ حاكمة في المجتمع، وسلوك منتشر بين أفراده في المدرسة والمصنع والدائرة والمزرعة والشارع والبيت، ونصوص دستورية وقانونية يلتزم بها الجميع، وهذا ما يتمتع به شعبنا الابي من ارث حضاري اصيل وقدرة على مواجهة التحديات التي كثيرا ما عصفت بنا، والتي خرجنا منها معافين بل اقوياء، وهو ما نعتقد انه ينطبق على المرحلة الحالية التي يمر بها العراق العظيم ، من نزاعات ونعرات طائفية وجهوية واثنية، زرعها الاحتلال الصهيو امريكي في المجتمع ، بعد ان اصبح لدينا تشخيص دقيق لاسباب الامراض ،وتحديد النواقص التي فتحت الجروح وايجاد الحلول بايدينا نحن ابناء العراق ،وليست بايدي خارجية واقيلمية، بايدي الشرفاء والمخلصين الذين لاهم لهم غير هم الوطن ، بايدي اولئك الذين لديهم القدرة والعزم على السمو فوق الازمات والمصالح الضيقة ،واعلاء مصلحة الوطن والمصلحة الوطنية ،وتغليبها على المصالح الشخصية والحزبية.

من هنا يجب الابتعاد عن التشفي والتأكيد على أنه لا غالب ولا مغلوب، إذا كنا بالفعل نسعى للخروج بالعراق العظيم منتصرا. ما نحتاجه في هذه المرحلة الفاصلة أن نجتمع على كلمة سواء، تحدد لنا كيفية بناء المجتمع، لتكون سبيلا للإصلاح وإعادة للبناء وصولا إلى مستقبل أفضل، يستحقه بالفعل كل مجتمعا حيا وناهضا وفاعلا ،وعلينا ان ننمي صفة المبادرة وان يبادر كل واحد منا بعمل يخدم المجتمع ويساهم في حل المشكلات الاجتماعية ،وبذلك نساهم في عملية البناء الاجتماعي، والتقدم بالمجتمع خطوات نحو الرقي والازدهار، وهو أمر لن يتحقق إلا بأن نضع وطننا العراق نصب أعيننا في كل تحركاتنا وتصرفاتنا، بل نضعها في القلب خصوصا أنها الأهم في هذه المرحلة بالتحديد، التي تتصارع فيها الاحزاب الفاشلة والفاسدة على كراسي الحكم بشتى الوسائل، تارة بانتخابات مزورة ،وتارة اخرى بتحالفات لن تدوم طويلا، هذه التحالفات التي أسست في غالبها وفقاً لمبدأ التخادم السياسي ،وليس على أساس مصلحة الوطن والمواطن.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *