قفا نَسأَلِ الرَّكبَ الذي سالَ مُثقَلًا
وقد نحَرَ البَيداءَ يَطفو ويَرسُبُ
وقد أَنعَلَ الرَّكبُ الحزينُ ظلالَهُ
تَرومُ ولا في ذي السَّباسِبِ مَضرِبُ
فجاءَ نَعِيٌّ يَخلَعُ القلبَ ها هنا
أَضاءَ سمانا – يا مسائيَ – كوكبُ
هناكَ أبو السَّجَّادِ بابٌ وصَحبُهُ
وباتَ عدوُّ اللهِ في الجيشِ يَرقُبُ
وما إن طوَى ليلُ الهمومِ رداءَهُ
وشُقَّ نهارٌ بالأسِنَّةِ يُلهَبُ
تَطَلَّعَ وجهُ السِّبطِ في ساحةِ الوَغَى
ونادَى: أيا جَمعَ الضلالِ يُخَيَّبُ
ألم تَعلَموا أنِّي ابنُ بنتِ نبيِّكم
وليسَ لنا غيرَ الهدايةِ مَذهَبُ؟!
ألم تَعلَموا أنِّي أَتَيتُ مُلَبِّيًا
رسائلَكم حينَ الكرامةُ تُطلَبُ؟!
فكانَ جوابُ القومِ: مهلًا؛ فإنَّنا
خصومُكَ، لا تُزجِي كلامًا وتُطنِبُ
إذا لم تُطِعْ أمرَ ابنِ هندٍ وحُكمَهُ
فأنتم كمَن ضلُّوا الصراطَ وأَذنَبوا
إذا لم تَقُلْ: في الشَّامِ حُكمٌ مُسَدَّدٌ
فإنَّ ظُبانا مِن دمائِكَ تَشرَبُ
فأَرعَدَ في وجهِ الطُّغاةِ إمامُنا:
أَموتُ ولم أَرضَ الحقيقةُ تُحجَبُ
وأَطبَقَ جَمعُ الزيفِ كالرَّملِ والحَصَى
وأَمسَت ذَكا بالنَّقعِ تَبدو وتَغرُبُ
وجالَدَ في سُوحِ الجهادِ أشاوِسٌ
وجالَت خيولُ اللهِ في القومِ تَحطِبُ
إلى أن قضَوا يومًا أَضاءَ بنورِهِ
على مُنتَهَى الأكوانِ وانجابَ غَيهَبُ
إلى أن قضَوا حقَّ الرسولِ ودَينَهُ
وأَورَوا فتيلًا في الفَيافيَ يَلهَبُ
تَنادَوا لجنَّاتِ الخلودِ وسعدِها
ومِن أجلِها بَعدَ البطولةِ أَسغَبوا
فقلتُ: مَن النَّاعي؟ فقِيلَ: عَقِيلةٌ
لآلِ عليٍّ في المَهامِهِ تَنحَبُ
غدَت بَعدَهم ثَكلَى فلا وَلَدٌ لها
ولا إخوةٌ – اللهُ – كيف التَّأَوُّبُ؟
غدا إسمُها أمَّ المصائبِ بَعدَهم
ربيبةُ بيتِ الوحيِ تلكمُ زينبُ
تَسيرُ على قُتُبِ النِّياقِ ولا حِمى
ولا قائلٌ: “لبَّيكِ” إن هيَ تَندُبُ
تَسيرُ وتيجانُ الرِّماحِ سواطِعٌ
بأرؤسِ مَن كأسَ المَنِيَّةِ أُشرِبوا
تَسيرُ وزَجرُ المُجرِمينَ مَتاعُها
فلا مَأكَلٌ يَصفو لديها ومَشرَبُ
فمِن كَربَلا حتَّى الشَّآمِ وظلمِها
بناتُ رسولِ اللهِ نُوَّحُ سُلَّبُ
وما إن قضَوا في العَسفِ شهرًا وعشرةً
ولاقُوا ذُرَى الأهوالِ والدمعُ يُسكَبُ
رسا رَكبُهم في كَربَلاءَ مُعَفَّرًا
يُحَيُّونَ أجسادًا عليها التَّأَشُّبُ
وطافَ عليٌّ في القبورِ مُنادِيًا:
أيا سادةً والجسمُ ضاوٍ ومُتعَبُ
سلامٌ عليكم؛ فالحرائرُ أَقبَلَت
تَسُحُّ دموعًا بالدماءِ تُقَشَّبُ
سلامٌ؛ فذي أطفالُكم تَصهَرُ الحَشا
تُطيلُ صُراخًا عندَما عزَّ مَطلَبُ
سلامٌ؛ فذي أجسادُكم تُرعِفُ الدِّما
عَطاشَى بما تَسفِي السَّباسِب تَشرَبُ
وفيما هيَ في لُجَّةِ الحزنِ إذ دنا
صَحابِيُّ في ظلمِ الطُّغاةِ مُجَرِّبُ
يَنوحُ ويَجتازُ الصَّعيدَ مُوَلوِلًا:
أفي هذه الدنيا أعَقُّ وأَذنَبُ
وأَتعَسُ حظًّا في الأنامِ وأَخيَبُ
كقومٍ لمعسولِ الحياةِ تَذَبذَبوا
وقاموا إلى ساحِ الرذيلةِ شُرَّعًا
وراعُوا عِيالاتِ الرَّسولِ وأَرعَبوا
وداسُوا حُسَينًا بالخيولِ وبالقَنا
ولم يُدرِكوا أنَّ الرَّسولَ لهُ أبُ؟!
حُسَينُ حبيبُ اللهِ وابنُ حبيبِهِ
تَرَبَّى بأحضانِ الرِّسالةِ يَلعَبُ
يُسَرُّ رسولُ اللهِ فيما يَسُرُّهُ
وإن رادَ أن يَبكِي فمَرقاه مَنكَبُ
تَلقَّاه زَينُ العابدينَ مُنادِيًا:
هناكَ أيا عَمَّاه كنَّا نُعَذَّبُ
هناكَ أَعَبدَ اللهِ أَفنَوا رجالَنا
فسِرنا أُسارَى وبالسَّوطِ نُضرَبُ
فناحَ وناحُوا والسماءُ تَناغَمَت
وإيَّاهمُ مِن كلِّ حَدبٍ مُسَرَّبُ
إذا قاوَمَ الكفَّارُ مَأتمَهم فذي
سماواتُ ربِّ الكونِ والعرشِ تُنصَبُ
فنُوحُوا لآلِ اللهِ يا مَن لديكمُ
نوالٌ لدى النبإِ العظيمِ ومَطلَبُ
لقد عرَّجوا مِن بَعدِ كَربٍ ومحنةٍ
لتَلبَسَ أثوابَ النِّياحةِ يَثرِبُ
20 / 9 / 1989
* التأشب: التجمع والاختلاط، أي عليها من الأتربة وغيرها.
* تقشب: تخلط