بعد عقود من محاولاتي المستمرة للخروج من المستنقع الطائفي الذي وُضعت فيه ككثير من العراقيين،دون خيار أو تفضيل مني،قررت أن أكتب تجربتي الشخصية مع الطائفية وكيف حاولت،ومازلت،الخروج منها نحو الدين الحق الذي أؤمن به لعبادة الله الواحد الأحد دون أن أنتقص من إيمان أتباع كل الديانات الأخرى. وقد كنت دوماً أؤجل كتابتي لهذا الموضوع ليس فقط بسبب حساسيته المفرطة وما يمكن أن يسببه لي من مشاكل حتى مع أقرب المقربين لي،لكن بسبب إيماني أن مثل هذه الكتابات لا زالت مبكرة وتحتاج أن أكتبها حينما أعتقد أن المنية قد أقتربت،على الرغم من أن هذا في علم الله وحده. لكن لأني أشاهد وألمس حجم الضغط المسلط الان لخلق هوية طائفية بديلة عن الهوية العراقية وللتساؤلات والإتهامات الكثيرة التي أثارتها كتاباتي ضد الطائفية مؤخراً،فقد قررت أن أدون ما أسميته برحلتي نحو الإسلام وكيف حاولت وما زلت نبذ كل طائفية من عقلي وسلوكي وقلمي،لعل البعض يستفيد منها.لقد أخترت هذا العنوان لأيصال رسالة قصيرة ومباشرة لمن يؤمنون بالدين من كل الأديان:الأسلام مثل كل الأديان نزل خالياً من الطوائف والتمايز والبشر هم الذين طيفوه وفرقوه شيعاً لا ليتقربوا لله بل ليفرضوا وصايتهم عن الله دون تخويل أو حتى تصريح منه. لقد كانت هناك على الدوام محاولات لتطييفي،سأسرد بعض منها(وليس جميعها لأنها كثيرة).وأعترف أني في فترة من حياتي كنت قريباً من الطائفية،الى أن هداني عقلي بمعونة من الله على التقدم(وليس العودة) الى المنبع،أي الأسلام الحقيقي غير الطائفي.
أعلم جيداً أن البعض سيعترض بشدة ويستنكر ما سأدونه هنا،بل وقد يصدم مما سأذكره لأنه لم يسمع ذلك مني سابقاً،بما فيهم المقربين مني،لأني كنت دوماً حريص على أن أكون معتدلاً في سلوكي وأفكاري،وأحول تجنب كل حديث طائفي،حتى عندما تشددت في مرحلة من مراحل حياتي بما بتُّ أعتبره الآن (شكليات) دينية. لذلك لم أود ذكر هذه الأحداث كي لا يتربى أولادي أو طلابي على الطائفية.لكني أعتقد الان أن في سرد هذه الأحداث ما قد يخدم محاربة هذا السرطان الذي بات الأحساس به وأنتشاره يؤرقني وينذر بخطر داهم على مستقبل العراق. سيزعل بعض(طائفيي)السنة قائلين ان تجربتك الشخصية لا تمثل سياسة ممنهجة للطائفية خلال النظم السابقة. وسيزعل(طائفيو)الشيعة مرددين أن تجربتك مع بعض أركان النظام الحالي لا تصح كمقياس لطائفية الشيعة. وفي الحالتين أقول أن ذلك صحيح،لكنها ممارسات عرفتها شخصياً تؤشر لي أن الطائفية كانت موجودة في السابق،كما موجودة حاضراً وإن كان الشكل والممارسة والاثار مختلفة.
نعم الطائفية لم تكن موجودة كممارسة ممنهجة تتبناها النظم السابقة علناً كما يفعل النظام الحالي،لكنها كانت موجودة تحت الغطاء وملموسة كما ستجدون ذلك واضحاً في تجربتي الشخصية،والتي أعلم أنه لا يصح التعميم بناءً عليها،لكن أرجو أن يجري الأعتبار منها.كمعظم البشر،وُلدت في البصرة، ولم أختر ديني أو طائفتي.
حينما كبرتُ علمتُ أني سُنّي المذهب بعد أن أخذني والدي لافتتاح مسجد العثمان فأُمطرنا بوابل من الحجارة عند خروجنا من المسجد من قبل أطفال سُلطوا ليرمونا بالحجارة أحتجاجاً على أفتتاح مسجد سني في المعقل بالقرب من مسجد للشيعة معروف هناك.وكانت هذه هي تجربتي الأولى مع الطائفية وعمري بحدود العشر سنوات!بعد ذاك بدأ وعيي الطائفي ينمو بخاصة وأن كثير من أصدقائي كانوا من الشيعة وكانوا بحكم عمرهم يرددون على مسامعي بعض الاعتقادات الدينية التي كنت أنقلها الى أهلي فيقولوا لي هذا ما يعتقده الشيعة ،لكننا لا نعتقد بذلك! بدأت أدرك آنذاك أننا مواطنون مختلفون في معتقداتنا،وجيران متشابهون في عاداتنا،لكننا مسلمون متباينون في عباداتنا!